البستنجي يكتب: في اغتيال الشخصية

كتب - المحامي مراد خليل البستنجي  

عطفا على حفل إشهار شرح قانون الجرائم الالكترونية لاستأذنا الدكتور كامل السعيد؛ والذي حين تحدث عن اغتيال الشخصية الوارد في منطوق المادة (16) من القانون قال أن الاغتيال في عمومه ما هو إلا قتل وهو لا يكون إلا للسياسيين؛ وهو ما أيده فيه استاذنا الدكتور عبدالرحمن توفيق متسائلا من أين جاء المشرع بهذا اللفظ وهذا المصطلح؛ أقول أنني وفي منشور فيسبوكي  لي بتاريخ (22 أيلول لعام (2023)) ذكرت أنني أمضيت ثلاث ساعات متواصلة في معرض الكتاب بحثا عن وجود تفسيرا لهذا الاصطلاح وما وجدت جوابا وإن كنت قد وجدت ما يقاربه لفظا وهو مصطلح الإساءة للسمعة وحينها قلت أن مصطلح الإساءة للسمعة ذي شرائط وخصائص؛ اليوم وحين عودتي للكتاب (شرح قانون الجرائم الالكترونية للسعيد) وجدت أن استاذنا قد حاول تعريف الاغتيال للشخصية بقوله (قيام الجاني باستخدام السبل والوسائل المتاحة له ( مؤكد أنها وسائل الكترونية) بغرض إساءة سمعة المستهدف في وسطه الاجتماعي...).

 وعليه أقول أن مصطلح اغتيال الشخصية (الأردني) يعادل ويوازي مصطلح الإساءة للسمعة (المصري)؛ فهل قام المشرع الكريم بتحديد شرائط وخصائص الاغتيال؛ وبالعودة الى استاذنا الدكتور السعيد؛ نجد أنه قد أخذ على المادة (16) التي تتحدث عن الاغتيال للشخصية عدم تحديد الركن المادي لهذه الجريمة حيث لم يقم بتحديد الأفعال التي توجب و تشكل تحقق فعل الاغتيال؛ أي ان المشرع الأردني قد سهى عن تحديد شروط وخصائص الاغتيال فأحدث جريمة بلا ركن مادي؛ إذ لا يعقل منطقا وقانونا أن يُكلف القضاء بما ليس بمقدوره ألا وهو البحث عن هذه الخصائص والشرائط؛ مما يجعل من هذه المادة نصا غير دستوري؛ ولحين تقرير عدم الدستورية رغم صعوبة ذلك لسبق تقرير المحكمة الدستورية أنها تنظر القانون التزاما مع النص الدستوري ولا تبحث في التعارض بين القوانين (قانون العقوبات كقانون عام وقانون الجرائم كقانون خاص) وأنه ومن باب أولى يكون وجوبا على العدالة المرجوة من اللجوء للقضاء أن يكون الحكم بالبراءة لكل متهم أصل ولا استثناء عليه؛ إذ القصد الجنائي العام هنا يشترط أن يقع فعل عمداً  ولا بد من توافر القصد الخاص وشرطه فوق ذلك كله أن ترتكب بقصد الإساءة، فهل النقد وهو المباح في العمل العام يشكل قصد الإساءة وهل يفترض هذا النوع من القصد افتراضا.   
 
ثم أنه وإذا ما علمنا أن اغتيال الشخصية عملية متعمدة ومستمرة مقصدها التعبئة بهدف تدمير مصداقية وتخريب سمعة الشخص أو المؤسسة أو المنظمة أو المجموعة الاجتماعية، فهل مجرد منشور فيسبوكي عابر لمجرد أنه ناقد وإن كان لاذع يحقق الاستمرار ويحدث التعبئة ويفرض التعمد؛ ثم ماذا عن حُسن النية وفي هذا بقول محمود نجيب حسني في شرح قانون العقوبات الخاص أن ثبوت حُسن النية في أمر التشهير بالموظف قذفا يجعل من هذا الفعل أمرا مباحا؛ وحُسن النية عنده حسب تعريف القضاء ألا يكون الفعل صادرا عن ضغينة شخصية وأن يكون مقصودة خدمة الصالح العام وشير الى أن محكمة النقض المصرية قالت أن كنه حُسن النية  هو أن يعتقد الفاعل صحة من يوجهه للمجنى عليه بقصد تحقيق مصلحة عامة لا شفاء لأحقاد وضغائن شخصية ؛ بل وأكثر يقول أن محكمة النقض قررت أنه وفيي حالة توازن الغايتين استهداف المصلحة وعدم تقدير الأمور بقدرها الكافي فعلى المحكمة الموازنة بينهما وترجيح غاية على أخرى فإن ظهر أن استهداف المصلحة العامة غالبا اعتبر عنصر حٌسن النية متوافرا.

ختاما فإننا نقف من نصوص القانون موقف المهاجم نقدا مطالبين بوقف العمل بنصوصه بل وهدم مبناه وإخراجه من المنظومة التشريعية والنظم القانونية الأردنية وقوفا خلف الإرادة الملكية السامية بضرورة إخضاع القانون لعملية تجويد من لدن راعي الحريات والحقوق دستوريا .