أزمة غير مبررة: على الحكومة التدخل لحلها بشكل عاجل
الدكتور عادل محمد الوهادنة
تشهد الساحة الصحية الأردنية أزمة غير مبررة نابعة من عدم الرغبة في الوصول إلى تسوية بين نقابة الأطباء وشركات التأمين، مما يستدعي تدخلاً عاجلاً من قبل الحكومة. فبينما يبدو أن الحلول الممكنة متاحة ومبنية على أسس علمية عادلة، إلا أن الأطراف المعنية لم تظهر استعدادًا كافيًا للتعاون لحل النزاع. لذلك، يجب استخدام الاقتصاد الصحي كأداة حاسمة لتجاوز هذا الجمود وتحقيق التوازن بين مصالح الجميع.
الاقتصاد الصحي يوفر الآليات اللازمة لضمان تسوية عادلة، وذلك من خلال تحليل الكلفة الحقيقية للإجراءات الطبية بناءً على العوامل الاقتصادية مثل أسعار المواد الأساسية، نسبة التضخم، والمخاطر المهنية. بدلاً من الجدل المستمر حول قيمة الكشفية أو الإجراءات الطبية، يجب أن تتبنى الأطراف نموذجاً علمياً يعزز العدالة ويضمن عدم المبالغة في التكاليف مع الحفاظ على جودة الرعاية الصحية.
الاقتصاد الصحي يعد الأداة المثلى لضمان التوازن بين مصالح جميع الأطراف. من خلال تحليل شامل، يمكن تقدير تكاليف الإجراءات الطبية بما يتناسب مع الأسعار الفعلية للمواد الأساسية ونسبة التضخم. كما يمكن احتساب الأرباح المعقولة للطبيب والمستشفيات بناءً على المخاطر المهنية ومدة الإقامة في غرفة العمليات، مع الأخذ بعين الاعتبار الجهد والخبرة التي يبذلها الأطباء. هذا النهج يضمن عدم المبالغة في التكاليف وفي نفس الوقت يحفظ حقوق المرضى في الحصول على الخدمات الصحية بدون عراقيل.
من الضروري تثبيت قيمة الكشفية عند الحد الأعلى الذي تم الاتفاق عليه، ويجب أن يُعتبر ذلك جزءاً من العدالة الصحية، وليس موضع خلاف بين الأطراف. فيما يتعلق بالإجراءات الطبية، ينبغي تقييم تكاليفها بشكل دوري، مع الأخذ في الاعتبار أسعار المواد الأساسية، نسبة الأرباح المعقولة، معدلات التضخم، عدد ساعات العمل في غرفة العمليات، نسبة المخاطر التي يتحملها كل من الطبيب والمريض، وتكلفة المعدات والمستلزمات الأخرى. كذلك، يجب تقدير قيمة الجهد الذي يبذله الأطباء والمختصون في المعالجات، على أن يُحدد ذلك بناءً على درجاتهم العلمية وخبراتهم.
في حال التوصل إلى اتفاق بين الأطباء وشركات التأمين، يجب على المستشفيات أن تشرف بصرامة على تطبيق بنود الاتفاق، وأن تتأكد من تنفيذه بعدالة بين جميع الأطراف. التلويح بالامتناع عن معالجة بعض فئات المرضى من قبل نقابة الأطباء يُعتبر إجراء غير قانوني، حيث إن الاتفاقية القائمة هي بين الطبيب وشركة التأمين مباشرة. لذا، يجب على الطبيب، إذا أراد الامتناع عن معالجة المرضى المؤمنين، أن يقوم بإعلام شركة التأمين بشروطه مسبقاً، وإلا فسيكون عُرضة للمساءلة القانونية والأخلاقية.
أما فيما يخص معالجة الحالات الطارئة، فإن هذا المفهوم يظل غير واضح ومتغير؛ إذ إن بعض الحالات التي تبدو مستقرة قد تتحول إلى طارئة إذا لم تُعاين في الوقت المناسب. لذلك، من الضروري تحديد مفهوم واضح للحالات الطارئة وإلزام جميع الأطراف باتباعه.
على الحكومة أن تتدخل بوضع معايير واضحة تماماً، وأن تعمل على إلزام جميع الأطراف بتطبيقها. يجب أن تتحمل المستشفيات مسؤولية مراقبة تنفيذ مثل هذه الاتفاقيات لضمان العدالة والشفافية في تقديم الرعاية الصحية، وبالتالي حماية حقوق المرضى وتجنب تفاقم الأزمة.