«الميدان» يعني «التنفيذ».. والبداية من «الكرك»

عوني الداوود

في كتاب التكليف السامي لدولة الدكتور جعفر حسان توجيهٌ ملكيٌّ واضحٌ ومباشرٌ بضرورة «تكثيف التواصل الميداني المباشر» مع المواطنين، والاستماع إلى آرائهم، والتعامل مع التحديات والاحتياجات، وإيجاد الحلول الممكنة. وفي الرد على كتاب التكليف السامي، عاهد رئيس الوزراء د. جعفر حسان الله، وعاهد الملك بتنفيذ أوامر جلالته السامية، ومنها «التواصل الميداني المستمر والمكثف لكل أعضاء الحكومة» وتلمّس أولويات المواطنين واحتياجاتهم في «الميدان».

وفي أولى جلسات الحكومة، أكد رئيسها أن «الميدان» هو ساحة العمل الرئيسة للحكومة، وأنه سيلتزم شخصيًّا بالتوجيه الملكي، وسيكون حاضرًا في المدن والبوادي والمخيمات «أسبوعيًّا» من أجل:

1 - الاطلاع بشكل مباشر على الاحتياجات والمطالب.

2 - تقديم الحلول السريعة لبعضها.

وهذا بالفعل ما نفذه الرئيس، فقام بثلاث جولات على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، شملت نحو 14 موقعًا وجهة بأماكن مختلفة وقطاعات خدماتية متعددة، شملت مرافق صحية وتعليمية وزراعية وصناعية واجتماعية.. إلخ.

رئيس الوزراء، في الجلسة الأولى لحكومته، أيضًا أعلن أن مجلس الوزراء سيعقد اجتماعاته مرة كل شهر في المحافظات، وكانت البداية يوم أمس من جنوب المملكة، ومن محافظة «الكرك» تحديدًا.. والأهداف هي:

1 - ترسيخ «الرؤية التنموية» لكل محافظة للأعوام المقبلة.

2 - ترتيب أولويات العمل والإنجاز.

3 - التعاون بين الحكومة والمجالس المنتخبة والهيئات المدنية في المحافظة.

انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في المحافظات «سابقة» تُسجَّل لهذه الحكومة «شكلًا ومضمونًا» – وهو الأهم – لأن مضامين «جلسة الكرك»، كـ «أنموذج قياس»، قد حملت الكثير من المخرجات التي يجب التوقف عندها لتبيان أهمية هذا النهج من العمل الحكومي المختلف والمتميز عمّا اعتدنا عليه سابقًا. ويمكن الإشارة إليها بالنقاط التالية:

1 - مثل هذه اللقاءات الميدانية الشهرية في كل محافظة جعلت الحكومة «تحدّد» عددًا من المشاريع المتأخرة والضرورية، والقرارات التي يجب أن تُتَّخذ للتسريع في الإنجاز. بمعنى أن الحكومة سوف تحرص في كل جلسة شهرية، وفي كل محافظة، على أن تكون هناك: (قرارات تتعلق بتحريك مشاريع متأخرة + الإسراع بمشاريع قيد التنفيذ + التخطيط لمشاريع ضرورية تُدرجها على سلّم أولويات العام المقبل من خلال ما تسمعه من ملاحظات ومطالبات المعنيين في كل محافظة).

2 - في جميع الموازنات السابقة، كانت هناك دائمًا مخصصات مالية لمشاريع في جميع المحافظات، ولكل وزارة، لكن المشكلة التي كانت ولا تزال تشكو منها مجالس المحافظات وحتى البلديات، أن معظم المشاريع «تتأخر»، ولا يتم ترحيل مخصصاتها للعام الذي يليه، ويزيد من تعطّل المشاريع بيروقراطية التواصل بين المحافظات والدوائر الحكومية المركزية في عمّان.

اليوم.. الحكومة كلها ستكون في كل محافظة، وبوجود رئيسها وجميع وزرائها، بحوار مباشر مع مسؤولي المحافظات ليتم اتخاذ القرار المطلوب على الطاولة مباشرة، بعيدًا عن كل البيروقراطية المعهودة.

3 - الاطلاع المباشر على الاحتياجات الحقيقية لكل محافظة، ووضع جدول أولويات يساعد على رصد مخصصات حقيقية وضرورية لكل محافظة في موازنة 2025.

4 - هذه اللقاءات والجولات الميدانية تقلّص «الفجوة» بين المواطنين والحكومة، وبين المحافظات والبلديات ومركز صنع القرار في العاصمة.

5 - تجسيد حقيقي للتشاركية بين الحكومة والمجالس المنتخبة والهيئات المدنية في المحافظات.

6 - فرصة لاطلاع حقيقي وميداني لكل وزير على ما يجري في الإدارات التابعة لوزارته في جميع محافظات المملكة، والاستماع للاحتياجات الضرورية من المعنيين مباشرة، ليقوم الوزير باتخاذ القرار المناسب والفوري، والأهم متابعة التنفيذ والإنجاز.

7 - كثير من المشاريع كانت تتعطل لتشابكها بين أكثر من وزارة، مما يفاقم من بيروقراطية سرعة الإنجاز، ووجود جميع الوزراء المعنيين يساعد على «فض الاشتباك» وسرعة الإنجاز.

8 - ما يتم الاتفاق عليه والإعلان عنه مُسجَّل بكل شفافية وأمام الجميع، مما يساعد على المتابعة والمحاسبة اللاحقة.

9 - اختيار الحكومة للميدان «كساحة عمل» وإنجاز لها، سيشكل أنموذجًا يُقتدى به لكافة السلطات الأخرى، بما فيها «النواب» و»الأعيان» في كل محافظة. فهذه الجلسات تجمع الجميع، وخصوصًا السلطتين التنفيذية والتشريعية، تحت قاعدة التعاون لخدمة الوطن والمواطنين.

10 - تشكّل اللقاءات فرصة للتواصل الحكومي المباشر مع المواطنين، وفرصة لشرح رؤى الإصلاح وأهدافها.

باختصار: نعم، هذه الجلسات والجولات يجب ألا تكون «استثنائية» بل واجبًا طبيعيًّا لكل مسؤول – كما قال رئيس الوزراء يوم أمس – ولكن، حتى نكون منصفين في تقييم أثرها الإيجابي، يجب قراءة تفاصيل ما تم اتخاذه في جلسة الكرك يوم أمس من قرارات، بالخلاصة التالية:

1 - تم تحريك مشاريع متعطلة منذ زمن، ودفع عجلة الإنجاز لمشاريع بطيئة لأسباب بيروقراطية، ولولا جلسة الأمس لبقيت تراوح مكانها!

2 - سيكون هناك أثر ملموس لما سيتم تنفيذه وتقديمه من خدمات مباشرة، وفق جدول زمني محدّد.

3 - جذب استثمارات ضمن «الخارطة الاستثمارية» لكل محافظة، سيوفر فرص عمل لأبناء وبنات كل محافظة، مما يقلل من معدلات البطالة.

4 - جلسات ولقاءات المحافظات تجسيد حقيقي لمستهدفات «رؤى التحديث الثلاث»، وخصوصًا «الاقتصادي»، من أجل:

(تنمية المحافظات + التواصل مع المواطنين + جذب الاستثمارات + خلق فرص العمل).

5 - «الميدان» يعني «التواصل»، الذي يؤدي إلى إعادة ترتيب «أولويات العمل» لكل محافظة، ثم الانتقال إلى مرحلة «التنفيذ والإنجاز» وفق برنامج واضح ومحدد. وهذا يستوجب «المتابعة» من كل وزير لتحقيق المطلوب بلا تأخير أو تردد، والنجاح – كل النجاح – حين تترجم القرارات لواقع يلمسه المواطن. وهذا ما يوجّه إليه دائمًا وأبدًا جلالة الملك الحكومات المتعاقبة.