إشكاليات الرد الصهيوني

إسماعيل الشريف

لقد هُزم الجيش الذي ادعى أنه من بين الأقوى في العالم؛ من قبل من؟ من قبل دولة قوية؟ لا! «بواسطة حركات المقاومة، من قبل حماس وحزب الله» - خامنئي.

وضع نتن ياهو نفسه في مأزق، حيث توعّد بالرد على إيران بعد قصفها المدروس والناجح لقواعد عسكرية صهيونية في فلسطين المحتلة. ومع ذلك، حتى تاريخ كتابة هذه المقالة، لم يقم بالرد!.

المنطق يقتضي أن ترد الدولة المارقة بردٍ مزلزل، فقد أثبتت طوال العام أنها دولة لا تحكمها أي ضوابط إنسانية أو أخلاقية. بالإضافة إلى الإبادة الجماعية في غزة واغتيال السياسيين والصحفيين وحتى مواطني أقرب حلفائها، استهدفت خلال الأيام الماضية قوات حفظ السلام في لبنان وقصفت منشآت تابعة لشركة «توتال» بعد أن قررت إلغاء اتفاقية الغاز مع لبنان. كما اعتقلت صحفيًا أمريكيًا من موقع «غري زون» بعد أن كشف عن الأضرار الكبيرة التي أحدثها الهجوم الإيراني على الكيان المحتل، مكذبًا بذلك جميع ادعاءات نتن ياهو بأن الضربة كانت فاشلة.

ومع ذلك، لم يأتِ الرد سوى بتأكيد من بلينكن بأن إيران تقود «محور الشر»، وتبعه إعلان نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، عن زيادة العقوبات على صادرات النفط الإيراني.

إذن، لماذا لم يرد الكيان حتى الآن؟

.كشف طوفان الأقصى أن الكيان هش وضعيف، غير قادر على الصمود ليومٍ واحد دون دعم الولايات المتحدة، التي برهنت على أنها هي من تدير الحرب، تمده بآلات القتل وتحميه في المحافل الدولية. لذلك، لا يمكن للكيان الرد على إيران دون موافقة الولايات المتحدة على شكل الرد والأهداف المحددة. وعلينا أن نتذكر كيف لجمت الولايات المتحدة ربيبتها المارقة عن الرد على صواريخ الرئيس الراحل صدام حسين التي دكت تل أبيب عام 1991.

·تخشى الولايات المتحدة أن أي رد صهيوني كبير قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة في العالم الإسلامي. فهناك ربع مليار شيعي حول العالم يعتبرون إيران بمثابة «روما» الخاصة بهم، بالإضافة إلى وجود تعاطف، بنسب غير معروفة، من بين مليار ونصف من أهل السنة الذين احتفلوا عندما ضربت إيران الكيان المحتل. أي تصعيد سيؤدي إلى ردود فعل عنيفة ضد المصالح الأمريكية وقواعدها، وسيساهم في زيادة موجة الكراهية تجاهها، التي ارتفعت بشكل كبير أثناء طوفان الأقصى.

·إن حالة الانقسام الكبير في المجتمع الأمريكي حول الإبادة التي تحدث في المنطقة، بالإضافة إلى الانتخابات الرئاسية القادمة، تجعل إدارة بايدن تفكر مليًا قبل أن تسمح للكيان بتوريطها في حرب مع طهران.
·لا ترغب الولايات المتحدة أبدًا في استهداف المنشآت النفطية الإيرانية، لأن إيران ستعتبر ذلك عملًا عدائيًا كبيرًا، وقد يكون ردها على الكيان أشد من سابقه. وهذا سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، مسببًا أزمة اقتصادية عالمية كبيرة، وخسارة كامالا هاريس في الانتخابات.
·يحتاج الكيان إلى استخدام أراضٍ وأجواء دول عربية، وهو أمر ترفضه هذه الدول تمامًا، فهي لن تدخل في حرب ليست حربها، ولن تعرض بلادها لغضب شعبي أو لاستهداف من الصواريخ الإيرانية.

·لا يمتلك الكيان السلاح اللازم لتوجيه ضربة كبيرة، فالصواريخ الباليستية التي يمتلكها هي من نوع «وايرخ» الدفاعية، ولا يتجاوز مداها 200 كيلومتر، في مواجهة ترسانة من الصواريخ الباليستية الدقيقة التي تمتلكها إيران بمساعدة الصين وروسيا. وهناك تقارير تفيد بأن إيران قد بدأت بالفعل بتصدير صواريخها.

·وأعتقد أن خيار ضرب المنشآت النووية الإيرانية قد سقط تمامًا ولم يعد مطروحًا الآن، إذ رفضته الولايات المتحدة لأنه سيؤدي، في أقل تقدير، إلى كارثة إشعاعية. ولن يكون رد إيران على ذلك إلا بتوجيه ضربة لمفاعل ديمونة في صحراء النقب. إضافة إلى ذلك، ستسعى دول المنطقة لامتلاك سلاح نووي، مما سيعزز نفوذ الصين وروسيا في المنطقة.

قد يفسر تصريح بلينكن سبب عدم الرد الصهيوني «المزلزل» كما وصفه نتن ياهو، حيث قال: «بسبب رفض الاتفاق النووي، أصبحت إيران بدلاً من أن تكون على بعد عام على الأقل من قدرتها على إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لصنع سلاح نووي، على بعد أسبوع أو أسبوعين على الأرجح للقيام بذلك.» كان هذا التصريح في 19/7/2024، أي قبل ثلاثة أشهر.

من وجهة نظري، تمتلك إيران السلاح النووي وقادرة على الرد على الكيان. لذلك، يعمل الصهاينة بالتعاون مع الأمريكيين على تحديد ردٍ لا يستفز إيران كثيرًا بحيث لا ترد عليه. فإيران هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك القدرة على إبادة الكيان الصهيوني، لكنها لا تستطيع تحمل فاتورة ذلك!