الاقتصاد.. في عام «الحرب على غزة»

عوني الداوود

النكبات تتوالى على العالم، الذي دفع ولا زال يدفع فاتورة «اقتصادية» باهظة منذ جائحة كورونا 2020 التي كلفت الاقتصاد العالمي - بحسب دراسة عالمية - نحو (3.8 تريليون دولار - في الحد الأدنى)، ثم الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022 التي كلّفت الاقتصاد العالمي نحو (2.8 تريليون دولار) نهاية 2023 - بحسب منظمات أوروبية - لتأتي بعد ذلك «الحرب على غزة» التي كلّفت بعد مرور عام على بدئها مليارات الدولارات، ودَفَعت اقتصادات دول الجوار - ولا تزال تدفع - أثمانًا باهظة، وكان لها تداعيات (محدودة / لكنّها مؤثرة) على اقتصادات المنطقة والعالم.

في الحديث عن التأثيرات الاقتصادية للحرب على غزة، لا بد من الإشارة إلى أهمية وخطورة المنطقة اقتصاديًا والمتمثلة بما يلي:

1 - المنطقة تُعدّ من الأهم عالميًا بمصادر النفط وتشكل (25 ٪) من احتياجات العالم النفطية، و(14 ٪) من احتياجات الغاز.

2 - تحتوي على ثلاثة من أهم المضائق المائية في العالم: هرمز، السويس، باب المندب (تمرّ منه 12 ٪ من التجارة الدولية و20 ٪ من تجارة النفط العالمية).

3 - تقديرات عالمية أشارت إلى أن 70 ٪ من التجارة العالمية التي تمر عبر باب المندب غيّرت مسارها، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن وبالتالي زيادة أسعار السلع والمساهمة في استمرار موجة التضخم العالمية.

لذلك فإن التداعيات الاقتصادية للعدوان على غزة اختلف تأثيرها بين: الأطراف المباشرة في الحرب (إسرائيل وفلسطين)، والدول المجاورة (الأردن ومصر ولبنان / والتي أصبحت طرفًا مستهدفًا مباشراً من قبل إسرائيل).. ثم التداعيات الاقتصادية على: (الإقليم والعالم).

أولًا - الاقتصاد الأردني:

بشهادات عالمية وتحديدًا (البنك والنقد الدوليين) فقد شكل الاقتصاد الأردني حالة فريدة في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية، ليس فقط الحرب على غزة ولكن قبلها جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية بفضل سياسات التحوط ونجاعة السياستين المالية والنقدية، واستطاع الأردن المضي قدمًا برؤية «تحديث اقتصادي»، بل وتحسين تصنيفه الائتماني منذ عقدين من الزمان في وقت تراجعت فيه تصنيفات كثير من دول الإقليم والعالم، كما حافظ الأردن خلال عام على الحرب على قوة الدينار وزيادة الاحتياطات الأجنبية لمستويات تاريخية، وتخفيض نسبة البطالة.. وإن كان كل ذلك لا يعني أن الاقتصاد الأردني لم يتأثر سلبًا من الحرب والاضطرابات عند باب المندب والبحر الأحمر، ولكنه نجح في التخفيف من آثارها على القطاعات الأكثر تأثرًا وهي قطاعات: السياحة والتجارة والنقل.

ثانيًا - دول الجوار (مصر ولبنان):

- قناة السويس خسرت نحو 6 مليارات دولار بسبب تضرر الملاحة الدولية.

- قطاع السياحة اللبنانية فقد 90 ٪ من الإيرادات.

- (3) مليارات دولار خسائر مباشرة لقطاع الزراعة اللبناني.

- (50) مليون دولار التكلفة الشهرية على الاقتصاد اللبناني و100 مليون دولار في حال الحرب الشاملة.

ثالثًا - خسائر الاقتصاد الإسرائيلي:

- «بلومبيرغ» تقدر خسائر إسرائيل بنحو 66 مليار دولار خلال عام، وهو ما يعادل 12 ٪ من الناتج المحلي لإسرائيل.

- وكالات التصنيف العالمي خفضت التصنيف الائتماني لإسرائيل بسبب الحرب.

- الإنفاق الحربي بلغ العام الماضي 25.9 مليار دولار وعجز الميزانية 8.3 ٪، مما اضطر إسرائيل لاقتراض نحو 53 مليار دولار.

- كلفة نزوح 100 ألف شخص من السكان من مناطق الحرب المباشرة بلغت نحو (2.34 مليار دولار) بما في ذلك (1.5 مليار دولار) نفقات الفنادق.

رابعًا - الاقتصاد الفلسطيني:

- البنك الدولي يتوقع فجوة تمويلية في فلسطين بنحو 1.2 مليار دولار.

- 32 ٪ نسبة التراجع في الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين.

- 18.5 مليار دولار الكلفة الأولية لإعادة إعمار غزة.

خامسًا - اقتصادات الإقليم والعالم:

- بحسب التقارير العالمية فإن تأثير «الحرب على غزة» - حتى الآن - لا زال محدودًا على الاقتصاد العالمي بخلاف دول الجوار، لكن التأثير سيتفاقم في حال حدوث حرب شاملة في المنطقة.

- تأثير كبير على نسب «التضخم» بسبب تعطّل سلاسل التوريد نتيجة ما يجري عند باب المندب وتأثير ذلك على التجارة الدولية.

- الخشية من أن يؤدي طول أمد الحرب وتوسّع رقعتها إلى حرب شاملة في الإقليم، وفي حال ضرب منشآت النفط الإيرانية وتعطل تصدير النفط الإيراني فسينعكس ذلك سلبًا على سوق النفط العالمية ويؤدي لارتفاع أسعاره لأكثر من (13 دولارًا / برميل) في الحدّ الأدنى، وتجاوزه حاجز الـ 150 دولارًا بحسب تقديرات عالمية.

- استمرار ارتفاع أسعار الذهب (الملاذ الآمن) لمستويات تاريخية كلما تطورت سيناريوهات الحرب في المنطقة.

باختصار:

1 - «اقتصادات الحروب» غالبًا لا يمكن حسابها بدقّة لوجود كلف غير مباشرة تفوق تقديراتها كثيرًا الكلف المباشرة، وبعد عام على بدء العدوان على غزة في 7 أكتوبر / تشرين الثاني 2023، خسرت اقتصادات الدول مليارات الدولارات، وإذا لم يتم وقف هذه الحرب المدمّرة فسيدفع العالم ثمنًا أكبر بكثير.

2 - الاقتصاد الأردني في العام الأول على حرب غزة، ورغم التحديات، حافظ على استقراره ومنعته، بفضل حكمة وحنكة وتوجيهات جلالة الملك بالتحوط ورؤى الإصلاح.