أفلَ الهلال الايراني
عبدالله سرور الزعبي
ايران وريثة الدولة الفارسية، التي
وصلت الى اوسع امتداد لها في عهد كسرى الثاني لتمتد من غرب الهند شرقاً الى ساحل
البحر المتوسط الشرقي وجزء من مصر غرباً وسواحل بحر العرب واليمن
جنوباً (في عهد سيف بن ذي يزن). الا ان هذا التوسع لم يدم طويلاً، حيث بدأ
بالانحسار والتراجع على يد الروم (هرقل) والدولة الاسلامية الناشئة.
في العقود الاربعة الاخيرة، استغلت
ايران اخطاء الغرب في المنطقة وعدم الوصول الى حل للقضية الفلسطينية فاعادت رسم
استراتيجية توسعية في المنطقة منطلقة من جغرافيتها المفتوحة وتحكمها باحد اهم
الممرات البحرية، وعمقها التاريخي والممتد لاكثر من ثلاثة الاف سنه (كقيام اول
دولة فارسية) وديموغرافيا قائمة على التفوق العرقي وغيرها من الامور. لتحقيق
اهدافها الاستراتيجية، بدأت باستخدام ادواتها المختلفة والتي منها استخدام الية
الاختراق الناعم باسم الدين وباستعراض القوة العسكرية (القائمة على الجيش والحرس
الثوري والجيش الشعبي)، والاذرع الخارجية الجاهزة للاستخدام المباشر (كحزب الله)
الى ان وصلت في نفوذها الى معظم مناطق التوسع التي وصلت اليها دولة كسرى تقريباً
(العراق، سوريا، لبنان، اليمن، وتنظيمات في افغانستان وباكستان وغيرها).
ان نفوذ ايران التوسعي وصل ذروته خلال
العقد الماضي مشكلاً هلالاً ايرانياً بامتياز، خالقاً بئية فوضوية في دول نفوذه،
مما فرض واقعاً امنياً وسياسيأً واقتصاديأً جديداً في دول المنطقة، لا بل مهدداً
امن واستقرار بعضاً منها.
وهو الخطر كان الذي سبق للاردن ان استشعره قبل غيره ويعود الفضل في ذلك
لحكمة وللنظرة االمستقبلية الثاقبة للقيادة الهاشمية وهو الذي حذر من خطره مبكراً
وقبل اكتمال نشوءه ليصبح هلالاً مكتملاً وممتداً عبر العراق وسوريا وصولاً الى
لبنان.
خلال العقد الماضي، سعت ايران وبقوة
لاستكمال برنامجها النووي، مستغلة تراجع الدور الامريكي الى حد ما في المنطقة
وتقاربها مع روسيا، والتي وجدتها حليفاً لها في صراعها مع الغرب، يضاف الى ذلك عدم
رغبة دول المنطقة في الدخول في صراعات معها، مما جعلها تتحكم وبقوة في السياسة
الداخلية البنانية والعراقية والسورية وبعلاقات هذه الدول الاقتصادية والسياسة
الخارجية لها.
ان الصراعات والتناقضات المختلفة في
دول النفوذ الايراني، اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه سيطول امدها الى ان تضعف
احد دول او مجموعات الصراع فيها للفوز بالزعامة فيها.
لقد انتبهت الدول العالمية الكبرى مثل
الولايات المتحدة لخطر هذا النفوذ، وخاصة بعد التدخل الروسي العسكري واذرع ايران
في سوريا، فبادرت للعمل على انشاء قواعد عسكرية في الاراضي السورية قاطعة بذلك الهلال
الى جزءين ومهددة التحالف الروسي الايراني في سوريا (على الرغم من عدم قناعة روسيا
بمثل هذا التحالف في سوريا بالذات لتهديده مصالحها).
ان الاحداث المتسارعة في الشرق الاوسط، وخاصة
خلال الحرب على غزة لتدمير حماس والتي اعتبرت احد حلفاء ايران في المنطقة، الامر
الذي ادى لتدميرغزة شبهه الكامل، وتقويض قدرة حماس العكسرية (الا ان حماس ستبقى
موجودة كفكرة وعلى الاغلب كحزب سياسي) دفع
ايران بالبتعاد عن هذا الصراع مبررة بان الصراع يجب ان يكون عربي اسرائيلي
(متناسية ان دخولها للمنطقة وتزعم محور المقاومة كان لتحرير فلسطين بجيش القدس
ومليشياتها العسكرية) واكتفت بالاشتباكات الجانبية مع اسرائيل والتي ينفذها ذراعها
الرئيس في لبنان، وذراعها الحوثي في اليمن.
ايران التي تعاني من ازمات اقتصادية
واجتماعية داخلية، كنتيجة للحصار المفروض عليها منذ فترة طويلة، وبعد الضربات
القاسية التي تلاقها حزب الله واكتشافها لمدى الاختراق لجسم الدولة لديها ولاذرعها،
بدأت تتيقن من ان نفوذها في المنطقة مهدد وان صعودها اخذ بالانحسار لا محالة، وان
هناك اعادة ترتيب لمستقبل المنطقة يعتمد على كيفية تعامل القوى الكبرى مع التحديات
المعقدة التي تعيشها، وعلى قدرة دولها على استيعاب التجاذبات الدولية والتي اوجدت
خارطة جديدة سيتم تنفيذها اجلاً ام عاجلاً وبالطرق المناسبة لذلك.
وعليه، فقد وجدت ايران نفسها على خط
المواجهه المباشرة، وهي التي تعلم بانه من المستحيل الحاق هزيمة باسرائيل
وتحالفاتها في ظل الظرف العالمي الحالي. وبالتالي
اعادت حساباتها لكي لا تنزلق الى الهاوية، وسارعت للعمل وفق حساباتٍ معقدة للخروج باقل الخسائر، فابتعدت
عن حماس واكتفت بالدعم المعنوي لها، وتخلت عن حزب الله وهو في امس الحاجة لها وخاصة
بعد ان فقد قياداته، كما من المتوقع ان تتخلى ايضاً عن الحوثيين، ومن غير المستبعد
ان تتخلى ايضاً عن نفوذها في سوريا (وهي الدولة التي تعيش في الظروف الاكثر
تعقيداً، وقابعة اليوم في حالة صمت شبه كامل، وهي الراغبة ايضاً في التخلص من كافة
اشكال الوجود الخارجي على اراضيها وبما فيها الايراني، وايران تعلم ذلك) للمحفاظة
على اقل قدر من النفوذ (في العراق ان استطاعت ذلك) الذي حققته خلال العقود الماضية
على المستويين الإقليمي والدولي في ظل التطورات المتسارعة.
ايران تعلم بان دول نفوذها ستبقى دول
شبه معطلة لوجود المليشيات التابعة لها ولفترة من الزمن (حتى ولو تم سحقها
عسكرياً) وذلك لعدم القدرة على الخلاص من تلك المليشيات على ارض الواقع بسهولة.
كما ان ايران تعلم بان القرار الدولي
متخذ باعادة ترتيب المنطقة، وبالتالي فهي
تسعى للمحافظة على جود اذدرعها لاطول مدة زمنية لتحقيق اكبر قدر من المكاسب
الاقتصادية ومحاولة فك العزلة الدولية عنها والمحافظة على بنيتها العسكرية
والتحتية والسماح لها بالتوسع شرقاً في باكستان وافغانستان بعد ان تم قطع الطريق
عليها في دول اسيا الوسطى كاذربجان مثلاً.
ام نحن في الاردن صاحب الموقع
الجيوسياسي والاسترتيجي المميز، والذي يبحر قاربنا منذ اكثر من قرن من الزمن وما
زال في بحر الشرق الاوسط عالي الامواج يقوده الهاشميون وتحرسه القوات المسلحة،
وعلى الرغم من الازمات المتلاحقة ومحاولة اختراقة من اكثر من دولة من دول الاقيلم المتنافسة على الزعامة، ولاكثر من مرة
وبعدة طرق بهدف زعزعة اسقراره وامنه سيبقى الدولة القوية القادرة على ادارة
الازمات الجيوسياسية بتكاتف وتماسك ابناءه وتناغمهم مع قيادته الهاشمية، وهي
الساعية لايجاد حل سلمي لجذور الازمة الرئيسية في الشرق الاوسط وهي القضية
الفلسطينية.