واشنطن لا تكتفي بالتفرج

محمود خطاطبة 

مع دخول الإبادة الجماعية، التي تشنها آلة البطش الإسرائيلية على قطاع غزة الأعزل، عامها الأول، حوّل خلاله جيش الاحتلال مناطق وأبراجا وبيوتا سكنية ومؤسسات قطاع خاص وأُخرى حُكومية إلى ركام، وكأنها أصبحت أثرًا بعد عين، كما أدى كُل ذلك إلى استشهاد وإصابة ما يقرب من الـ150 ألف فلسطيني، فضلًا عن خسائر مادية جمّة، وذلك في ظل ظروف صحية ومعيشية غير إنسانية يعيشها الإنسان الغزّي.


إن هذا العدد الهائل من الشهداء والجرحى الفلسطينيين، بعضهم أصبح بلا أطراف، وتسببت الحرب بإعاقات مُستديمة لأصحابها، وبالتزامن مع استفحال العدوان الصهيوني الهمجي على غزة، ومن ثم عرّج على لبنان، الأمر الذي يعني أننا مُقبلون على حروب وأزمات واسعة ومصيرية، من الصعب أن يسلم من شررها أحد من العرب.. كُل ذلك يتم على مرأى ومسمع «شرطي» العالم الأوحد (الولايات المُتحدة الأميركية).


ويا ليت الأمر يقف عند حد أن واشنطن تكتفي بدور المُتفرج، بل كان لها اليد الطولى، في إدامة هذا العدوان الوحشي على شعوب عُزل، فأركان الإدارة الأميركية تستغل كُل مُناسبة من أجل التأكيد والتصريح علنًا، وبلا أدنى أي مقومات للأخلاق، من أنها داعمة لـ»ربيبتها» وحليفتها الوحيدة في الشرق الأوسط، بكُل ما أوتيت من قوة.


فإذا كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي تُريد أن تُعيد تشكيل الشرق الأوسط من جديد، فذلك يكون من خلال أسلحة وطائرات وجيوش واستخبارات وإستراتيجيات الولايات المُتحدة الأميركية، التي لا تدخر جهدًا من أجل «حبيبة قلبها، ووحشها المُدلل».
في نفس الوقت، فإن العجب العجاب، أنه وبعد كُل هذا الدعم الأميركي للشيطان الأصغر (الاحتلال الإسرائيلي)، نرى أن الشيطان الأكبر (واشنطن) تقف لحظات عجز، بشكل مُذل ومُهين، إذ إن «ربيبتها» باتت لا تُصغي ولا تستمع لها أبدًا، ولا تكترث لنصائحها، وكأنها هي المُحرك الرئيس لأعظم دولة في العالم.

وهُنا نطرح السؤال التالي: هل أصبحت واشنطن غير قادرة على رسم «الخطوط الحمراء» في المنطقة، خصوصًا أن «مكوكيات» وزير الخارجية الأميركي، توني بلينكن، إلى عاصمة الشر في هذا الكون (تل أبيب)، والظاهر منها أن هدفها وقف العدوان الغاشم، لم تُسفر عن نتائج إيجابية، ولا حتى إشارات توحي بذلك.. وكأن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد إذلال «ولي نعمته» وحاميه وداعمه (واشنطن).

قد يكون ما ذُكر صحيحًا، وقد يكون جانبه الصواب، وقد يكون هُناك تناقض واضح في السياسة الأميركية، وما يدل على ذلك هو استقبال الإرهابي، قاتل الأطفال والنساء بدم بارد، رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بكُل حفاوة في البيت الأبيض، خلال الفترة الماضية، وبالمُقابل تكتفي الولايات المُتحدة ومن بعدها فرنسا بموقف المُتفرج، حيال رفض نتنياهر لاقتراح تقدمت به باريس وواشنطن، نهاية الشهر الماضي، يقضي بضرورة وقف العدوان على لبنان الشقيق