الأردن غيَّر تقويم الثقة خلال عام .. الملك وشعبه حطموا تشدّق "الإسرائيليين" دون أسلحة

فرح سمحان 


ماذا قدم الأردن؟ -  سؤال غير شرعي ولا يمكن تجاهل الإجابة عليه بعد مرور عام على أحداث 7 أكتوبر المعروفة بـ"طوفان الأقصى" ، في مثل هذا اليوم تغير تقويم الانتصار العالمي ، وفي ذات اليوم أثبتت الدبلوماسية الأردنية أن "الفزعة الملكية" أكبر وأهم من غطرسة قادة الاحتلال وتشدقهم وكلامهم المسموم، وصحيح أن أهل قطاع غزة ذاقوا كأس المر والسواد، لكن السواد ذاته انعكس على الأردنيين بدرجة أكبر من الدول الأخرى، إذ كان الدفاع والوقوف بوجه جرائم الاحتلال واجبا وليس موقفًا دوليًا وحسب. 

الملك عبدالله الثاني قبل أحداث 7 أكتوبر كان همه الوحيد التذكير لمن تناسوا في المحافل الدولية ، أن قضية فلسطين هي وجهة لقضية الأردن، وأن العالم لن تزال عنه غيوم الشر والظلام دون حل شامل يضمن إقامة دولة مستقلة للشعب الفلسطيني الذي تحمّل الجور والظلم والانتهاكات والتعديات وما زال، في وقت من الغريب وجود منظمات تدعي أنها تدعم حقوق الإنسان، ثم بعد الأحداث تطور الخطاب الملكي وأصبح يهاجم الكيان المحتل بكل صراحة ووضوح حتى يفهم العالم أجمع أن إسرائيل هي السبب في قلب موازين المنطقة، والتنغيص على الشعوب كافة، ومن هنا كانت البداية في تغيير الرأي العام العالمي ، الذي أدرك تباعًا أن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض والعرض، وأن ما يقوم به جيش الاحتلال في غزة جرائم حرب كان من الممكن أن يعيشها أي شعب آخر على الأرض، إذًا خطاب الملك كان مختلفًا في وقت اكتفى البعض بالإدانة والاستنكار، مع أن حرب 7 أكتوبر أكبر من أن تنتهي بتصريحات متواضعة وبيانات استنكارية. 


الأردن وبنظر العالم وحتى مع وجود بعض المغرضين والمحرضين لم يقصر، وكشف خبث الاحتلال الذي كان يحاول تبخير الحق الفلسطيني وردمه ، فكانت المساعدات التي قدمتها المملكة إلى قطاع غزة وشارك بها جلالة الملك من خلال الإنزالات الجوية ، وبالتزامن مع حملة التجويع ضد أهل القطاع، درس انتهجته الدول الأخرى، ومن هنا أوصلت السردية الأردنية وبمكوناتها كافة رسالة قاسية قالت فيها صراحة إن إسرائيل لا يمكنها منع الأردن من تنفيذ واجبه ودوره تجاه فلسطين، ولو كان الثمن باهظًا . 

وفي حصيلة أعلنتها القوات المسلحة الأردنية عن الجهود المبذولة بعد عام من الحرب على غزة، نُفذ 266  إنزالًا جويًا مع دول شقيقة وصديقة ، و122  إنزالًا جويًا أردنيًا، و3535  شاحنة من خلال المعابر البرية نقلت 52952 طن، ومشاركة 193 طبيب و361 ممرض في مهام المستشفيات الميدانية ، 2950 عملية جراحية كبرى وصغرى، و 494000  أعداد مراجعي المستشفيات الميدانية . 

الملكة رانيا العبدالله .. "خطاب أحرق الرواية الإسرائيلية" 

المعروف عن جلالة الملكة رانيا العبدالله أنها إذا تحدثت أجزلت وأجازت، وإذا قررت أن تصيب الهدف فهذا أمر بسيط جدًا حينما يتعلق الأمر بفلسطين، ومن على منابر عالمية مختلفة ومن خلال مقابلات صحافية وإعلامية، كشفت الملكة في خطاب إنساني موثق بالأدلة، جرائم الاحتلال وانتهاكه لكل المعايير الحقوقية التي لا يقبل بها بشر، الكبير والصغير والنساء والأطفال، وحتى الحجر والشجر لم يسلموا من أسلحة الاحتلال ، هكذا أجملت الملكة المشهد، وكانت تساؤلاتها في الصميم دائمًا، سيما عندما تحدثت عن شعور العالم وهم ينظرون من خلف الشاشات إلى ما آلت إليه الأوضاع في القطاع الذي أُزيلت عنه كل معالم الحياة. 


ولي العهد الأمير الحسين .. على خط سير الهاشميين  

بمكاشفة وإشارات واضحة اختصر ولي العهد الأمير الحسين ما حدث في قطاع غزة بانعدام الثقة بالمجتمع الدولي، وبعد عام من الحرب كانت النتيجة لا تزال تؤشر أن المجتمع العالمي لم يتمكن من ردع الاحتلال وجرائمه التي خلفت أكثر من 41 ألف شهيد، وفي بداية الإنزالات الجوية قرر ولي العهد أن يشرف بنفسه عليها، ويتابع كل ما يتعلق بتقديم المساعدات إلى غزة ، إلى جانب التأكيدات التي أوضحت أن الأردن لن يتنازل عن حق الشعب الفلسطيني ، وموقفه يعتبر من المحرمات التي لا يمكن المساس بها، وحتى كانت مشاركة الأميرة سلمى بنت عبدالله الثاني في الإنزالات الجوية حركة في توقيتها، ولها دلالات كبيرة ومهمة. 

الموقف الشعبي الأردني .. رصاصة في وجه الاحتلال 

شوارع الأردن لم تهدأ منذ بدء الحرب على قطاع غزة وحتى الآن، المظاهرات أصبحت عادة متكررة ، والمقاطعة انطلقت من قلب العاصمة عمّان إلى العالم أجمع، والمساعدات قُدمت من الجميع دون استثناء، هكذا عبر الشعب الأردني عن غضبه إزاء الحرب الوحشية التي طغت على ما حدث في حروب عالمية كبرى، إلى جانب الوعي واليقظة التي تميز بها "النشامى" في وقت حاول البعض زج الفتن في المجتمع. 

الدبلوماسية الأردنية .. سيف على رقاب قادة الاحتلال

الحكومة الأردنية طبقت المشهد كما يجب وأدارت شكل التعاطي مع الأحداث في غزة وانعكاساتها محليًا بتوازن وحكمة وتنفيذ لكل التوجيهات الملكية، إلى جانب الدور الخاص الذي قدمه وزير الخارجية أيمن الصفدي الذي أصبح يضرب الاحتلال ولا يبالي ، ويصرح بكلام يدور في ذهن كل عربي حر، الصفدي تعامل مع موقف الأردن تجاه الأحداث في غزة بدبلوماسية معربة، وقدم في الجلسات العالمية عريضة قال فيها ما لم يستطع أحد قوله، ووصفهم "بمجرمي الحرب" ، في وقت يتهافت بعض المسؤولين للتعبير عن استنكارهم أو التزام الصمت بحجة السلام. 

الأجهزة الأمنية والجيش 

الثقة الأردنية بالمؤسسة الأمنية والجيش العربي، هي عقيدة لا مساس بها أو تطاول عليها، فكانت الأحداث في قطاع غزة قبل عام من اليوم شرارة تعامل معها الأمن العام في التظاهرات بحكمة وتمكن ، فيما كان الجيش العربي حاضرًا بحماية الحدود وسماء المملكة ، وبمستشفياته الميدانية التي تعاملت مع المرضى من قلب الحرب، وحتى على الرغم من محاولات قوات الاحتلال الاعتداء على الكوادر الطبية، إلى جانب الإنزالات الجوية والمساعدات البرية وغيرها.