"قراءة تعيد تشكيل المفهوم من منظور طبيب"


الدكتور عادل محمد الوهادنة
المقدمة:
مفهوم "الوطن" و"الوطنية" هو من أكثر المفاهيم تعقيدًا، ويكمن الإشكال في أن هذه المفاهيم قد تختلف باختلاف الثقافات والأيديولوجيات والمراحل التاريخية. يمكن أن يفهم "الوطن" ببساطة على أنه الأرض التي ينتمي إليها الفرد، أو يتعدى ذلك ليشمل الهوية الثقافية، الانتماء القومي، والتاريخ المشترك. أما "الوطنية" فهي الشعور بالولاء والانتماء للوطن، والدفاع عنه وعن قيمه. الإشكالية تأتي من تباين هذه المفاهيم بين الأفراد والمجتمعات، حيث أن البعض يركز على الروابط العرقية أو الجغرافية، بينما يركز آخرون على القيم والمبادئ المشتركة مثل الحريات والمساواة.
الوطنية يمكن أن تصبح جدلية إذا ما استخدمت لأغراض سياسية ضيقة أو إذا تم حصرها في إطار محدد دون مراعاة التنوع داخل المجتمع. المفهوم الأسلم للوطن والوطنية هو ذلك الذي يركز على الشعور بالانتماء المشترك من خلال القيم المشتركة مثل الوحدة، التضامن، والحرص على المصلحة العامة. هذه الرؤية تحترم التنوع الثقافي والعرقي والاجتماعي داخل الوطن وتقدر كل فرد بغض النظر عن خلفيته.
النقاط الرئيسية:
الوطن" كوهم جغرافي مقابل "الوطن" كفضاء نفسي:
الوطن ليس مجرد "أرض" بل تركيبة من قصص الأفراد وتجاربهم. في الأردن، يرتبط مفهوم الوطن بفضاء نفسي معقد يتداخل فيه الماضي الاستعماري، الهجرة الفلسطينية، وتكوين الهوية الأردنية المعاصرة.
الوطن كوحدة في التنوع الثقافي:
الوطنية الأردنية ليست أداة اندماجية لصهر الهويات المتعددة في قالب واحد، بل قوة للحفاظ على التنوع والاحتفاء به. الأردن كوطن للهويات المختلفة يعزز بعضها البعض من خلال روابط اجتماعية وقيمية.
الوطنية العكسية" في الأردن:
الوطنية في الأردن نمت من خلال القدرة على التأقلم والتكيف مع الظروف الصعبة، وليست نابعة من القوة الاقتصادية. إنها وطنية تتغذى من التضامن الاجتماعي الداخلي وتجاوز التحديات.
الهوية الأردنية والعلاقة مع "الآخر":
الوطنية الأردنية تحمل في طياتها دائمًا علاقة مع "الآخر"، سواء كان هذا الآخر هو القومية العربية الأوسع أو العلاقات الإقليمية. يعيد الأردن تعريف "الوطن" مع كل تغيير سياسي أو اجتماعي إقليمي أو عالمي.
الوطنية كمشروع للمستقبل وليس فقط للماضي:
الوطنية في الأردن ليست فقط احتفاءً بالماضي، بل ببناء المستقبل من خلال رؤية مشتركة حول التعليم، التكنولوجيا، والاستدامة. هذه الوطنية المستقبلية تسعى إلى تحويل الأردن إلى دولة تقدمية وحديثة.
الأردن كوطن "للحركة" وليس "للثبات":
في العصر الحديث، يُنظر إلى الأردن كوطن لا يعتمد على الثبات والتقاليد الثابتة، بل كوطن للحركة، حيث يمكن للأردنيين التنقل بين الهويات والثقافات مع استمرار شعورهم بالانتماء.
الوطن" كجغرافيا متخيلة عبر الزمن:
الأردن كوطن متخيل ليس موجودًا بهذه الصورة منذ البداية، بل نشأ عبر الزمن من خلال سرديات وتجارب مشتركة. وفقًا لهذا المفهوم، الوطن الأردني هو وطن لـ "ما يمكن أن يكون"، وليس فقط لما هو موجود.
الوطنية الأردنية كاستجابة نفسية للضياع الجغرافي:
الوطنية الأردنية لم تتشكل فقط كرد فعل للسيادة على الأرض، بل كاستجابة نفسية لتجارب الضياع والتشتت الجغرافي، حيث تمثل حنينًا دائمًا للأمان والملاذ.
الوطنية الأردنية كـ"هوية مؤقتة" تتطلب التجديد المستمر:
الوطنية الأردنية ليست ثابتة، بل مؤقتة بطبيعتها، تتطلب تجديدًا مستمرًا للبقاء حية وفعالة. في هذا السياق، الهوية الوطنية تتشكل مع كل جيل جديد وتحديات سياسية أو اجتماعية.
الوطنية الأردنية كجسر بين الماضي والمستقبل عبر "الذاكرة التأسيسية":
الوطنية الأردنية تمتد بين الحاضر والمستقبل، حيث تستند إلى ذاكرة تأسيسية تبني سرديات جديدة تواكب التغيرات. هذه الذاكرة الوطنية تستمر في إعادة تشكيل الهوية.
الخلاصة:
تحليل مفهوم "الوطن" و"الوطنية" في الأردن يعكس تعقيدًا وديناميكية يعززان الانتماء والتعددية الثقافية والهوياتية. الوطنية الأردنية ليست مجرد شعور بالانتماء للأرض، بل عملية نفسية واجتماعية مستمرة تتفاعل مع التحديات والذاكرات المتعددة. هذا التحليل يفتح آفاقًا جديدة لفهم الهوية والانتماء في الأردن، ويعزز من أهمية تعزيز الوحدة الوطنية على أساس التنوع والاحتفاء بالقيم المشتركة.