الكاذبون

إسماعيل الشريف

«إذا كنا نطبق قانون ليهي بشكل فعال في وجه ‹إسرائيل› كما نفعل في بلدان أخرى، فربما لم يكن لديك جيش الدفاع «الإسرائيلي» يصور جرائم الحرب التي ارتكبها الآن عبر تيك توك لأننا ساهمنا في ثقافة الإفلات من العقاب.»

جوش بول، المدير السابق لمكتب الشؤون السياسية والعسكرية بوزارة الخارجية المستقيل.

كان رجل يسير ومعه خُرج، وهو كيس من القماش يُستخدم لحمل الأغراض، يوضع عادةً على ظهر الدابة أو الكتف. كان هذا الرجل يُجالس الناس ويستمع إليهم، وأحيانًا كانوا يتحدثون عن أمور لا تهمه أو لا قيمة لها في نظره. فكان يرد عليهم قائلاً: «حُط في الخرج»، بمعنى أن ما تقولونه يمكنني أن أضعه في هذا الكيس وأمضي، لأنه عديم الأهمية بالنسبة لي.

أعتقد أن منصب وزير الخارجية الأمريكية يجب أن يُلغى منذ أن وقف كولن باول على منصة الأمم المتحدة في 5 فبراير 2003، وكذب على العالم بأسره، مدعيًا أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، مستخدمًا خرائط وصورًا من الأقمار الصناعية.

منذ أن انفردت الولايات المتحدة بقيادة العالم، شطبت الدبلوماسية من قاموسها، فلا تتحدث أو تتصرف إلا بمنطق القوة والبلطجة. أداء وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، يشهد على ذلك؛ فلم نره، على سبيل المثال، يعمل على إيقاف الحرب الأوكرانية-الروسية، أو يحقق أي إنجاز في تخفيف الإبادة التي تحدث في غزة، أو يسعى إلى وقف إطلاق النار في لبنان. بل ذهب البعض إلى تسميته وزير خارجية الكيان!

في الوقت الذي يُذبح فيه الشعب الفلسطيني، ويُحاصر ويُجوع، تسرّبت إلى الإعلام وثائق سرية تُثبت أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قد تعمّد الكذب على الكونجرس بشأن المجزرة التي تحدث في غزة والحصار الذي تفرضه الدولة المجرمة على القطاع.

كانت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومكتب السكان واللاجئين والهجرة التابع لوزارة الخارجية قد أصدرا تقريرين منفصلين قبل عدة أشهر، خلصا إلى أن الدولة المارقة تمنع عمدًا إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة. وهذا يعني، بموجب قانون ليهي الصادر عام 1997، والذي جاء على اسم السيناتور الأمريكي الذي كان وراءه، أن الولايات المتحدة مُلزمة بقطع المساعدات عن أي وحدات عسكرية أو وحدات إنفاذ قانون متهمة بانتهاك حقوق الإنسان.

بعد أيام من تلقي بلينكن هذه التقارير، قال أمام الكونجرس بالحرف الواحد: «لا نعلم إن كانت الحكومة ‹الإسرائيلية› تحظر أو تقيّد بأي شكل من الأشكال نقل أو تسليم المساعدات الإنسانية الأمريكية.»

لقد كان يكذب وهو يعلم أنه يكذب من أجل عيون الكيان، لضمان استمرار الدعم غير المحدود والأسلحة التي يحتاجها لمواصلة مجزرته في غزة، والآن في لبنان.

يستطيع بلينكن أن يكذب بسهولة، فقد رأى من قبله إدارة جورج بوش تخوض حربًا كاملة استنادًا إلى كذبة كُشفت لاحقًا، حتى أن حليف بوش، توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، قد اعترف بذلك صراحة، وهو الذي عُيّن لاحقًا مبعوثًا للسلام! كما شاهد مايكل هايدن، مدير الاستخبارات الوطنية، يكذب أمام الكونجرس نافيًا وجود برامج التعذيب التي تبنتها وكالة الاستخبارات الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وكذلك ليون بانيتا، مدير وكالة الاستخبارات، الذي كذب على الكونجرس بشأن برامج التجسس على الشعب الأمريكي، حتى جاءت بعد ثلاثة أشهر تسريبات سنودن التي أثبتت كذبهما، ولم يتم مساءلة أي منهم على كذبهم.

وعلى الرغم من أن هذه الفضيحة قد خرجت إلى العلن وتتداولها وسائل الإعلام، وأن هناك لجنة خاصة من وزارة الخارجية أوصت بوقف الدعم للشرطة والجيش الصهيوني بسبب انتهاكهم لحقوق الإنسان، فإن بلينكن يعلم أنه لن يتعرض لأي مساءلة، فالمجمع العسكري يقف إلى جانبه، واللوبي الصهيوني يدعمه. ولا ينسى مشهد الكونجرس وهو يستقبل نتن ياهو استقبال الفاتحين.

ويعلم بلينكن أن هذه القوانين تُطبق فقط على الدول الضعيفة، أو يُلوح بها لابتزاز الدول الأخرى، تمامًا كما هو الحال مع القيم التي تدعيها الولايات المتحدة أو المنظمات الدولية.

سأل أحد الصحفيين بلينكن: «كيف ستواجه الكونغرس بعدما كذبت عليه؟» فرد مازحًا: «حُط في الخُرج.»