نتنياهو يعزز ائتلاف حكومته ويستعد لهجوم بري على لبنان
علي ابو حبلة
شنّت إسرائيل مساء يوم الجمعة، 27 أيلول/ سبتمبر 2024، واحدةً من أعنف هجماتها ضد لبنان، منذ تصاعد عدوانها الأخير عليه في الأسابيع الماضية، مستهدفة القيادة المركزية لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت بقصف ستة أبراج سكنية وتسويتها بالأرض. وأسفر الهجوم عن اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، الذي نعاه الحزب في بيان صدر في اليوم التالي، إلى جانب قادة آخرين في الحزب، ومسئول فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في لبنان وعددٍ غير معروف بعدُ من المدنيين. وقد استخدمت إسرائيل في هجومها على مقر قيادة الحزب طائرات «إف-35» ألقت ثمانين قنبلة خارقة للت حصينات، بزنة طن تقريبًا لكلٍ منها للتأكد من عدم نجاة أحد. واستغلت إسرائيل حالة الإرباك التي تسبب فيها الهجوم في منظومة القيادة والسيطرة لدى حزب الله، لشن سلسلة غارات عنيفة شملت أحياءً مختلفة من الضاحية الجنوبية ومناطق شاسعة على امتداد لبنان؛ ما أدى إلى تشريد آلاف المدنيين. ويُعدُّ استهداف مقر القيادة المركزية لحزب الله، واغتيال أمينه العام، التطور الأبرز حتى الآن في عملية تصعيد إسرائيلية مستمرة ضد لبنان، بدأت في تموز/ يوليو الماضي، ووصلت إلى ذروتها في 23 أيلول/ سبتمبر بإطلاق ما أسمتها إسرائيل عملية «سهام الشمال»؛ ما يفتح مجالًا واسعًا لتصعيد أكبر تقوم به نتيجة ضعف المواقف العربية والإقليمية والدولية حيال عدوانها المستمر على غزة ولبنان.
قررت إسرائيل استغلال معركة غزة واستنزاف المواقف العالمية المعارضة لهذه الحرب من دون تأثير في السلوك الإسرائيلي، ومحدودية الثمن الذي تدفعه لتنفيذ خطط معدة سلفًا لتوسيع الاستيطان وضرب المقاومة في الضفة الغربية بعد غزة، ليصل الأمر إلى استغلال الفرصة المتاحة لتنفيذ الخطة المعدة للبنان. وباتت إسرائيل تسعى إلى حسم المعركة مع حزب الله أو على الأقل إجباره على قبول فك الارتباط بين لبنان وغزة، وتغيير قواعد اللعبة معه على حدودها الشمالية بحيث يمتنع نهائيًا عن قصف مستوطناتها الشمالية.
وفي حين تمسّك حزب الله بعملية إسناد هدفها تخفيف الضغط عن غزة والتضامن مع المقاومة فيها ضمن قواعد اشتباك محددة، وتجنّب الحرب مع إسرائيل في الوقت ذاته، انتقلت إسرائيل إلى وضع أهداف استراتيجية ذات علاقة بوضع حزب الله عمومًا؛ ما اقتضى عدم الالتزام بأي قواعد اشتباك والانتقال إلى الحرب على الحزب، وبررت إسرائيل حينها سلسلة العمليات التي استهدفت فيها قادة حزب الله وشبكة اتصالاته بمنع حصول 7 أكتوبر جديد على حدودها مع لبنان، ولكنها كانت في الحقيقة تضرب شبكة الاتصالات والتسلسل القيادي في الحزب في إطار حرب تشنها عليه. وكان واضحًا، أو يفترض، على الأقل، أن يكون واضحًا، ما تخطط له إسرائيل. ولكن سلوك الحزب لم يتغير، وظلّ محكومًا بتجنّب الحرب حتى بعد أن اندلعت عمليًا.
وقد أكد امتناع إيران عن الرد على اغتيال إسماعيل هنية في طهران، إضافة إلى الخطاب الذي تبناه الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، وتصريحاته التي أوحت بأن إيران ليست في وارد الدخول في مواجهة مع إسرائيل، وأنها تسعى إلى التفاوض مع الغرب لحل أزمة برنامجها النووي، الانطباع الإسرائيلي القائم أصلًا عن هشاشة وضع إيران داخليًا وإقليميًا، وأنها سوف تترك حزب الله وحده في المعركة. وتعززت رغبة إسرائيل في التمادي ضد حزب الله برده الضعيف على مقتل أعلى مسئول عسكري لديه، وهو فؤاد شكر، بما في ذلك إشارة الأمين العام حسن نصر الله إلى أن الرد على اغتيال شكر قد انتهى، بعد عملية قصف رمزية لشمال إسرائيل، والادعاء الذي نفته إسرائيل بإصابة صواريخ الحزب قاعدة غليلوت، فضلًا عن حرص الحزب على تجنّب الحرب لأسباب داخلية لبنانية وإقليمية، وطلبه من الناس بالعودة إلى بيوتهم في القرى الحدودية.
الهجوم على مقر القيادة المركزية لحزب الله ، واغتيال أمينه العام حسن نصر الله، ضربةً كبيرةً للحزب، وسوف يسعى رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، إلى الاستثمار فيها للتعويض عن الفشل الذي واجهه على مدى عام في غزة، حيث أخفق في تحقيق أي من الأهداف التي وضعها للحرب هناك. ويرجّح أن يستمر نتنياهو في البناء على الزخم الحالي وتحويله إلى مكاسب سياسية في تعزيز وتوسيع ائتلافه بضم ساعر و في مواجهة خصومه وحلفائه في الائتلاف الحكومي عبر زيادة رصيده في الشارع الإسرائيلي. وسيحاول خلال المرحلة القادمة الاستمرار في الضغط على حزب الله لدفعه إلى الاختيار بين الاستسلام من خلال الموافقة على فك الارتباط مع غزة والانسحاب إلى شمال الليطاني، أو الاستمرار في القتال، ومن ثمّ توجيه مزيدٍ من الضربات إليه لإضعافه، بما في ذلك احتمال القيام بعملية برية محدودة تسمح له بإنشاء منطقة عازلة على الحدود مع لبنان. لكن باتخاذه هذه الخطوة قد يكون حزب الله قد جرّ نتنياهو إلى حيث يريد، وإلى حيث تكون قوة الحزب في أفضل حالتها؛ إذ يخوض الحرب على أرضه. في كل الأحوال، تنذر المعركة الدائرة في غزة ولبنان بين إسرائيل وفصائل المقاومة بإعادة تشكيل المشهد الإقليمي، وسيترتب عليها نتائج كبيرة في اتجاه نجاح المشروع الإسرائيلي أو إفشاله.