ازدواجية معايير مواقع التواصل الإعلامية
د. ماجد الخواجا
لقد تلوثت وسائل الإعلام الرقمية العالمية بانحيازها المفضوح لسردية وخطاب الصهيوني عبر إشغال الخوارزميات الخاصة بها في تتبع أية كلمات أو صور أو فيديوهات تقدم وتعبّر عن المشهد الآخر من الحكاية. في كل لحظة يجري حظر أو تجميد أو توقيف حسابات على منصات الميتا فيرس ومنصة إكس ومنصة تيك توك ومنصة إنستغرام وسناب شات، باستثناء المنصة الوحيدة غير المنحازة حتى الآن وهي منصة تيليغرام التي مصدرها روسيا الخصم الأكبر للغرب، بمعنى أنه حتى التيليغرام فإن قرار عدم التحيّز سياسي يعود إلى الخصومة والعداء بين روسيا ودول الغرب، وليس إعلاء لحرية الكلمة والتعبير بالأساس.
قمت بإجراء تجارب على عديد من المنصات الإلكترونية الإعلامية، حيث تقدمت ببلاغات ضد منشورات أو صفحات تغذّي الكراهية والفتنة والطائفية والعنصرية، أو تقدم مشاهد وكتابات بإيحاءات جنسية، أو تنشر الإلحاد والتفرقة الدينية، أو صفحات تقدم تفاهات أو تسوّل إلكتروني بطرق معيبة، في كل تلك البلاغات، كان يأتيني الرّد بأن تلك المنشورات أو الصفحات لا تنتهك معايير مجتمع المنصة، فيما تم شطب صفحات تعود لي على تلك المنصات نتيجة منشورات مساندة للسردية الفلسطينية كمثال بما يجري في غزة من عدوان غاشم متغطرس، فكانت النتيجة أنه تم إلغاء صفحاتي على تيك توك ومنصة إكس ومنصة إنستغرام، فيما تم تجميد صفحتي على الميتا فيرس أي الفيسبوك سابقاً وتحذيري بأن الصفحة مهددة بالإغلاق.
آخر تحذير لي مع إلغاء المنشور كان عبارة عن منشور يؤكد على الوحدة بين الأردن وفلسطين عبر صور لأعلامهما فقط، فجاء التحذير أن هذا المنشور ينتهك معايير التيك توك، وتم حذفه مباشرة.
منذ السابع من أكتوبر ظهر حجم التحيّز للروايات الصهيونية، ومنح المؤيدين لها المساحة الشاسعة من التعبير والنشر والتفاعل، فيما تلاشت أصوات وصفحات الملايين ممن يؤيدون الرواية الفلسطينية والعربية.
إنها ازدواجية المعايير تتجلى بصورةٍ لا لبس فيها ولا غموض ولا تحتمل أي تأويل، منصات تعلي من شأن التفاهات أو الكراهية أو الفتنة أو التشكيك في المواطنة والإنتماءات الوطنية والقومية والدينية، تعلي من ترويج الجنس والمثلية والشذوذ بكافة أنواعه، تعلي من السفه والسخافة، تعلي من البث الحي لساعات طوال بين أشخاص لا يقدمون أدنى وجبة إعلامية أو ثقافية أو حياتية، فقط إضاعة الوقت فيما تدعى بالتسلية والرهانات والداعمين لكل تلك السخافات. تعلي من مواصلة فتيات يمارسن صنوف التحرّش الحنسي عبر بث حي، من اجل حصد المتابعات والعوائد المالية.
إن المحتوى العربي على تلك المنصات لا يتجاوز 1% من المحتوى العالمي، وهذا المحتوى في معظمه عبارة عن تفاهة وسفه ورداءة معيبة وبلا أدنى قيمة إنسانية.
لقد كانت هناك مبادرة من قبل وزير الإعلام الأردني الأسبق بأن يتم التفاوض مع إدارات هذه المنصات كفريق عربي، والتباحث في مستوى وحق الوصول والتعبير والنشر بنفس الدرجة والمستوى الممنوح للطرف الآخر في المنصات. ولا أدري ماذا تم بهذا الأمر وإلى أين وصل الحال به.
نحن محاصرون ليس فقط سياسياً، بل وإعلامياً بشكلٍ يؤكد أن هذه المواقع مسيّسة بالدرجة الأولى، وأنها رغم بحثها عن حصد العوائد المادية، وأنها بالأصل ذات صفة تجارية واستثمارية، وبالرغم من ان عديد ونسبة الزبائن من المنطقة العربية أكبربكثير من نسبة الزبائن المؤيدين للرواية الصهيونية، إلا أنها ومثل كثير من الهيئات والمؤسسات الدولية، رضخت وأذعنت لمطالب ورغبات الكيان الصهيوني، حتى أخذت شكله ومحتواه وغاياته ورؤاه. نحن في كل منشور أو تعليق أو صورة نقوم بنشرها على تلك المنصات، فإنها تمثّل حالةً نضالية بمعنى الكلمة.
ربما الحديث يطول ويطول خاصة عندما نريد تصنيف الأشياء وتسميتها بأسمائها الحقيقية، فقد نجد أن من أبناء جلدتنا من يعلي ويتبنى هذا المشهد الإعلامي المنحاز. يكفي أن أذكر أنني شاهدت منشوراً لصورة رئيس الحكومة الصهيونية يطلب صاحب المنشور إبداء الرأي فيه، فكانت الردود تصفه بالبطل والرجل، ليس باللغة العبرية، وإنما باللغة العربية بكل أسف.