قراءة في فكر جلالة الملك: رؤية عالمية لتحقيق العدالة الدولية ومواجهة الهيمنة السياسية

الأديب عدنان فيصل قازان

من كان يشاهد أو يستمع إلى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين خلال خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يدرك تمامًا أن كلماته لم تكن مجرد تعبير عن موقف سياسي، بل كانت مفعمة بمشاعر الغضب والحزن الشديدين، لغة جسده، التي تمثلت في تعابير وجهه وحركات يديه، كانت تنقل بوضوح عمق ما يشعر به حتى لمن لا يتقن اللغة الإنجليزية، من يرى جلالته، كان يمكنه فهم الرسالة بشكل كامل من خلال حركاته ونبرات صوته التي عكست التوتر والقلق العميقين حيال ما يحدث على الساحة الدولية، كان جلالته يتحدث من القلب، مستخدمًا جسده ليؤكد على ما وراء الكلمات، وكأن جسده كان يعبر عن الاحتجاج الصامت على الظلم العالمي المتزايد، وهذا الغضب الممزوج بالحزن تجلى في لحظات حرجة من الخطاب، خاصة عند تناوله لقضية فلسطين، حيث بدا وكأن الألم الشخصي يرتبط بتأثير القضايا الإقليمية على العدالة العالمية.

وفي خضم المشهد السياسي العالمي المعقد والتحديات الإقليمية، يبرز جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين كصوت قوي وعقلاني يدعو إلى إصلاح النظام العالمي، والتصدي للهيمنة السياسية، وتحقيق العدالة الدولية، خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يُعد انعكاسًا عميقًا لفلسفته السياسية، حيث يعبر عن مبادئ إنسانية سامية ترتكز على المساواة، العدالة، ودعم الشعوب المستضعفة.

يمثل فكر جلالة الملك دعوة صريحة لإصلاح النظام الدولي ليصبح أكثر شفافية وإنصافًا، من خلال نقده الحاد للهيمنة السياسية والقانونية التي تمارسها القوى الكبرى، وشدد جلالته على أن العالم يشهد معايير مزدوجة تعرقل تحقيق العدالة، فالقانون الدولي الذي من المفترض أن يكون مرجعًا يحتكم إليه الجميع، بات يخضع لمصالح قوى سياسية وعسكرية، مما أدى إلى إضعاف مصداقيته وزيادة التوترات العالمية.

جلالته يعبر بوضوح عن رفضه لهذه الانتقائية، مؤكدًا أن العدالة الدولية ليست حكرًا على دول معينة، بل حق مشروع لكل الشعوب، بغض النظر عن المصالح السياسية، هذا التصور يتماشى مع دعواته المستمرة لإصلاح الأمم المتحدة وتحقيق التوازن بين الدول الكبرى والدول الصغيرة في عملية اتخاذ القرار.

وتحتل القضية الفلسطينية مكانة محورية في فكر جلالة الملك، حيث يعبر عن رؤية واضحة ومستمرة بضرورة تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، جلالته أكد في خطابه أن *"الأردن لن يكون وطنًا بديلًا أبدًا"*، موقف تاريخي وثابت يعكس رفضه لأي محاولة لفرض حلول على حساب سيادة الأردن وحقوق الشعب الفلسطيني.

الملك يشدد باستمرار على أن "حل الدولتين" هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وأن الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وفي نقده للمجتمع الدولي، أوضح الملك أن تصريحات المجتمع الدولي بخصوص حل الدولتين *"لا تسمن ولا تغني من جوع"*، ما يعكس استياءه من عدم وجود تحركات فعلية نحو إنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

عقب خطاب جلالة الملك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، تم تبني ردود فعل من بعض الدول والمنظمات والشعوب، على سبيل المثال أعربت بعض الدول عن تأييدها لرؤية جلالة الملك بشأن القضية الفلسطينية، معتبرةً أن استعادة حقوق الشعب الفلسطيني يجب أن تكون أولوية على جدول الأعمال الدولي، هذه الردود تسلط الضوء على كيفية استجابة المجتمع الدولي للأفكار التي يطرحها جلالة الملك، ومدى تأثيرها على المفاوضات الدولية.

دعا جلالته بقوة إلى إصلاح الأمم المتحدة لتتمكن من القيام بدورها بفعالية في مواجهة التحديات المتصاعدة، ومن وجهة نظر الملك، المنظمة الدولية بحاجة إلى إعادة هيكلتها لتكون أكثر عدلًا، وبعيدة عن الضغوطات السياسية التي تفرضها القوى الكبرى، هذه الدعوة تعكس رؤية جلالته لأهمية استعادة الثقة في النظام العالمي من خلال تحقيق المساواة بين الدول في الحقوق والواجبات، وتعزيز دور القانون الدولي كمرجع أساسي.

ومن خلال خطابه، أظهر جلالة الملك أن دور الأردن على الساحة الدولية ليس مقتصرًا على حماية مصالحه فقط، بل هو دور أخلاقي يسعى للدفاع عن العدالة والإنسانية، وفكر الملك يركز على أن الأردن، رغم كونه دولة صغيرة، يتمتع بدور كبير في التصدي للظلم والهيمنة، حيث يحرص جلالته على انتقاد الانتهاكات التي تحدث في فلسطين أو غيرها من المناطق، حتى لو كان ذلك يتسبب في توتر العلاقات مع بعض القوى الكبرى.

وفي خطابه، تطرق جلالة الملك إلى الإرث الذي ورثه من والده الراحل الملك الحسين بن طلال، الذي قاتل من أجل السلام حتى *"آخر رمق"*. وجلالته يؤكد أنه مثل والده، لا يقبل ترك الأجيال القادمة في المنطقة ترث الصراعات والاستسلام، هذه الكلمات تعبر عن رؤية ملكية تستمر في النضال من أجل السلام العادل والشامل، وترفض الاستسلام للتحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة.

*"لا أذكر وقتًا أخطر مما نمر به الآن"*، بهذه العبارة يعكس جلالة الملك حجم التحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة والعالم، وفي هذا السياق أكد أن العالم يراقب، والتاريخ سيحكم على مدى شجاعة القادة في اتخاذ القرارات الصائبة لمواجهة هذه التحديات، هذه الدعوة للشجاعة لا تستهدف فقط الزعماء السياسيين، بل هي دعوة للجميع – دولًا وشعوبًا – للوقوف أمام الظلم والهيمنة والعمل من أجل مستقبل أفضل.

في جوهر فكر جلالة الملك عبدالله الثاني، تتضح فلسفة سياسية تدعو إلى السلام العادل والشامل، والتمسك بالقانون الدولي كمرجع أعلى يُحتكم إليه لتحقيق العدالة، وجلالته يؤكد أن التصعيد العسكري والسياسي ليس في مصلحة أحد، مشددًا على أن الحلول السلمية هي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة والعالم.

خطاب جلالته أمام الأمم المتحدة يُعد نموذجًا لفكر سياسي يعتمد على الشجاعة والعدالة، ويرفض التنازلات أمام القوى الكبرى، جلالة الملك يوجه دعوة للعالم أجمع للوقوف ضد الظلم والهيمنة، والعمل على بناء نظام دولي أكثر توازنًا واستقرارًا.

فكر جلالة الملك عبدالله الثاني يعكس رؤية ناضجة وشجاعة لمكانة الأردن في النظام الدولي، ومن خلال خطابه أمام الأمم المتحدة، لا يتحدث الملك فقط إلى قادة الدول، بل يوجه دعوة صريحة للشعوب والدول للالتزام بقيم الحق والعدالة، والعمل على إصلاح النظام الدولي ليصبح أكثر عدلاً وإنصافًا.

في عالم يتزايد فيه الظلم والانقسامات، يقف جلالة الملك كقائد يمثل صوت العقل والعدالة، يدعو إلى نظام دولي يقوم على أسس القانون والمساواة، هذه الرؤية الملكية، التي تعتمد على الاستقلالية والشجاعة السياسية، تُعد منارة للأمل في زمن تملؤه التحديات والصراعات.