دائماً.. هناك شرق أوسط «جديد»!
عوني الداوود
..بالمناسبة.. ليست هذه هي الكارثة الأولى التي يتم الحديث خلالها عن «شرق أوسط جديد»، فمع كل أزمة أو حرب في المنطقة يبدأ الحديث عن سيناريوهات لشرق أوسط جديد.
بالعودة الى «تاريخ» هذا «المصطلح» نشير إلى ما يلي:
- في العام (1996) صدر كتاب لشمعون بيريز يحمل عنوان «الشرق الأوسط الجديد».
- في العام (2002) أطلق الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش فكرة «الشرق الأوسط الكبير».
- في العام (2004) تبنّت الولايات المتحدة فكرة «الشرق الأوسط الموسع».
- في العام (2006) أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان يوليو/تموز 2006 أن آلام هذه الحرب هي: «الولادة القاسية للشرق الأوسط الجديد».
- اليوم، وفي العام (2024) بل ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول ( 2023) بتنا نسمع عن سيناريوهات لشرق أوسط جديد مرّة أخرى، تتجدّد الآن في أعقاب الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وتوقعات بمتغيرات مرتقبة ستشهدها المنطقة إمّا (عسكرياً) بتوسع رقعة الحرب بين إسرائيل وايران بكل مناطق نفوذها في سوريا والعراق واليمن - بعد لبنان والضفة وغزة - وإمّا (دبلوماسياً) من خلال صفقة يتم الحديث عنها ويجري العمل على وضع بنودها بقوة السلاح «الإسرائيلي - الأمريكي».
- بعيداً عن التصريحات المتعلقة بهذا الإقليم الملتهب، فإن منطقة الشرق الأوسط كانت تاريخياً ولا زالت وستبقى الى ما شاء الله منطقة متغيرات وتقلبات سببها الرئيس «الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين» منذ العام 1948، ومن ينظر اليوم الى الشرق الأوسط يجد أن هذا الإقليم يشهد تغيّرات وتقلبات متسارعة وعلى مدى السنوات -وليس العقود -والدليل أن دول المنطقة لم تعد كما كانت عليه قبل ما سمي بهتاناً بـ«الربيع العربي»، وأن دول المنطقة لم تعد كما كانت عليه بعد أن عاثت موجات الجماعات الإرهابية «داعش وأخواتها» فساداً في المنطقة، ولننظر اليوم الى ما جرى ويجري في: سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان.. الخ.. فعن أي شرق أوسط جديد نتحدث؟
- مشكلة الإقليم الذي نعيش فيه أنه يشكّل «مخزوناً ثرواتياً استراتيجياً» يزيد من أطماع الغرب الذي ترعى مصالحه إسرائيل في المنطقة، فهو إقليم مليء بثروات الطاقة والنفط والغاز والمعادن النفيسة، وهو إقليم فيه أهم المضائق البحرية والمائية التي تتحكم بالتجارة العالمية، ولذلك فإن الموقع الجيوسياسي لمنطقة الشرق الاوسط يمثل (نعمة) - يسعى الغرب للسيطرة عليها، و(نقمة) على دول المنطقة بسبب استهداف الغرب لها، والأمثلة عديدة يعرفها القاصي والداني، وتكفي الاشارة الى أن الثروات النفطية في العراق كانت سبباً رئيساً لغزوه (2003) - وفقاً لتصريحات أمريكية رفيعة المستوى -وما جرى ويجري اليوم من تدمير لغزة ولبنان، لا يجب أن يغيب عن أذهاننا استهداف السيطرة التامة على ثروات الغاز الهائلة أمام شواطئ غزة ولبنان، هذه الثروة التي تضاعف ثمنها وحاجة الغرب اليها بعد اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية (2022) وانقطاع الغاز الروسي عن القارة الأوروبية.
- أطماع العالم بثروات الشرق الأوسط قديمة وتاريخية، واختلاف المسميات بين الشرق الأوسط «الجديد» أو «الكبير»، مرتبط بالجغرافيا وامتداداتها، وبالسياسة وأبعادها.. وفي الحالتين فإن هدف اسرائيل والغرب كان ولا يزال دائماً «التمكين الاقتصادي» من ثروات المنطقة، وإن اختلفت الوسائل بين:
1 - اقتصادية: أو ما يعرف بـ( السلام الاقتصادي) الذي كان يتبناه شمعون بيريز.. وتؤيد المضي به اليوم الإدارة الأمريكية ممثلة بـ(بايدن/هاريس)، واتفاقيات سلام تقوم على أساس حل الدولتين، مع إقامة مشاريع عالمية في الإقليم.
2 - عسكرية: وهو ما يتم تنفيذه على الأرض اليوم من قبل حكومة إسرائيلية متطرفة برئاسة نتنياهو ويوجهها الوزيران الأكثر تطرفاً (بن غفير/ سموتريتش).. ويؤيدها بقوة الرئيس المنتظر عودته دونالد ترامب، والمحرّض لإسرائيل وتشجيعها نحو مزيد من التوسع والتمدد في المنطقة.
*باختصار: في منطقة هي الأكثر سخونة وتغيّراً في العالم منذ 1948 هناك دائماً «شرق أوسط جديد»، لكنّ إسرائيل لا تعي - بل لا تريد أن تعي - بأن لا اقتصاد ولا مشاريع عالمية، دون أمن واستقرار وسلام في المنطقة.. هي لا تريده لأنها ترى غيرها مجرد «أغيار» لا يستحقون الحياة.
- إسرائيل اليوم التي تدمّر الحياة في غزة وعموم فلسطين ولبنان.. وغيرها ربما تعتقد أنها تفرض «شرق أوسط جديداً» على الأرض، لا تدرك أنها بعنجهيتها وغطرستها وخروقاتها لكل القوانين والأعراف، إنما أيقظت جذوة ضمير عالمي طال سباته، وخلقت «عالماً جديداً» سيحاسبها على جرائمها حتى وإن طال الزمن.