لبيروت من قلبي سلام

د. ماجد الخواجا

بيروت هي العاصمة العربية الوحيدة التي دخلتها جيوش الكيان الصهيوني، كان ذلك عام 1982، العام الأسود الذي حدثت فيه مجزرة صبرا وشاتيلا وراح ضحيتها آلاف الأبرياء قتلاً بدمٍ باردٍ، واستمر جيش العدو لفترةٍ جاثماً على انفاس بيروت عاصمة الشرق، ناشرة السعادة والمحبة، صانعة الأدب والذائقة، بيروت التي حفظنا عن ظهر قلب أسماء شوارعها وأحيائها وحواريها، ما بين بيروت الغربية وبيروت الشرقية كانت روايات يسردها أزيز الرصاص فيشكل حواجز وإغلاقات بين الأخ وأخيه، كانت مربعات أمنية تعود لهذا الحزب وتلك الحركة وذاك التنظيم، كيف ننسى الروشة وشارع الحمرا وبرج البراجنة والضاحية الجنوبية والفاكهاني وجونية وحريصا والأشرفية والمتن والناعمة وحي الجميزة والمنارة وشارع كليمنصو، شارع الفردان، الكورنيش، حي البسطة، الكرنتينا، المزرعة، برج حمود، الحدث، بعبدا، عين المريسة، قريطم، كيف ننسى الجنوب ولا نقف عند صيدا وصور والنبطية وقلعة شقيف وبنت جبيل وجزين، وفي البقاع شتورا وزحلة وبعلبك وعرسال والهرمل، وفي الشمال طرابلس، زغرتا، البترون، وفي جبل لبنان، عاليه والشوف وكسروان، والمتن، وجبيل.

بيروت علمتنا الحب والفرح والأناقة والإعلاء من الذائقة الحياتية، بيروت كانت مربط العشّاق والشعراء والأدباء، وكانت أيضاً بوابة الثورة والحرية والإنسانية.

لم تهدأ بيروت منذ عشرات السنين، فهي ما أن تخرج من أزمة حتى تدخل في كارثة، كانت الحرب الأهلية الأولى شرارتها من تل الزعتر من حاجز عسكري كانت البداية لحربٍ أكلت الأخضر واليابس وتمترس البشر خلف طوائفهم باحثين عن مأوى وعن أمان في دوائرهم الفرعية بعد أن تلاشت الدائرة الوطنية الكبرى، دائرة لبنان الواحد. الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت من عام 1975 إلى 1990 وأسفرت عن مقتل حوالي 120 ألف شخص. كما تشمل اجتياح لبنان عام 1982.

وفي سنة 1982 جاءت حرب بيروت التي سميت بحرب السلام للجليل كما أطلقه الكيان الصهيوني حينها، أو عملية الصنوبر كناية عن أشجار جبل لبنان الصنوبرية، بدأت الحرب في 6 حزيران عام 1982 وانتهت في عام 1985، مع ما تخللها من حرب الجبل، ثم جاءت حرب المخيمات في الجنوب، إلى أن تم التوصل لاتفاقية الطائف التي وضعت نهاية للاقتتال الأهلي الداخلي. وفي شهر أيار 2000، سحب الكيان الصهيوني قواته من الجنوب اللبناني، وقال إنه أنهى احتلاله الذي دام 18 عاماً ولم تهدأ مناطق الجنوب بسبب المطالبة باستعادة مزارع شبعا اللبنانية التي بقيت الذريعة الرئيسة لتراشق الصواريخ والقذائف بين فترةٍ وأخرى. وفي 12 تموز 2006 كانت الحرب بين حزب الله وجيش الاحتلال الذي بادر بحرب شاملة ومفتوحة، بدأت بحصار بحري وعمليات قصف جوي مكثف ثم توغل بري، واستمرت المعارك لمدة 33 يوما، قتل فيها 121 جنديا صهيونياً و44 مدنيا، وبين 300 و800 قتيل من حزب الله، و43 من الجيش اللبناني وقوات الأمن، وسقط أكثر من ألف قتيل من المدنيين اللبنانيين، وآلاف الجرحى من الطرفين.

الآن يعود الدم يطغى على وجه بيروت بهجمات وحشية تدك الأرض بما تحويه في بطنها أو على ظهرها، كأنه كتب على بيروت أن تواصل الحياة في الموت، ومن يزور بيروت يفهم ذلك، هناك تتشارك النفايات مع أرقى البنايات، هناك تتشارك القبور مع الأحياء، هناك تسير على الكورنيش أو تحتسي قهوتك في شارع الحمراء، فيما فقر مدقع يكون ملاصقاً لك تماماً. إنها بيروت التي تجمع ما لا يجتمع.

حمى الله لبنان وفلسطين وبلادنا أجمعين، حمى الله بيروت وغزة من كل الطامعين.