سوق السيارات: بين زيادة الضرائب والحاجة لتحرير اقتصادي مستدام
زهير محمد الخشمان
شهد سوق السيارات في الأردن تقلبات حادة خلال السنوات الأخيرة نتيجة لتغيير السياسات الجمركية والضريبية، مما أثر بشكل كبير على البيئة الاستثمارية وثقة التجار والمستثمرين. هذه التغييرات، التي بلغت ذروتها في فترة حكومة بشر الخصاونة، انعكست سلبًا على قطاعات اقتصادية رئيسية، وأبرزها سوق السيارات الكهربائية والهجينة، الذي كان قد شهد نموًا متسارعًا قبل تلك السياسات.
في عام 2023، ارتفعت استيرادات السيارات الكهربائية بنسبة 140% مقارنة بالعام السابق، حيث تم استيراد حوالي 34,902 سيارة كهربائية. هذه الزيادة الكبيرة كانت تعكس التحول العالمي نحو السيارات المستدامة وتوجه المستهلكين الأردنيين نحو سيارات أقل تلويثًا وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة. ورغم ذلك، جاء قرار حكومة بشر الخصاونة بآخر أيامها بزيادة الضرائب على هذه السيارات بمثابة ضربة قوية للسوق، مما أدى إلى رفع تكلفة هذه المركبات وأثّر على الطلب المحلي بشكل ملحوظ.
قرار زيادة الضرائب الجمركية جاء في وقت حساس، إذ تتراوح أسعار السيارات الكهربائية في السوق الأردني ما بين 10,000 و25,000 دينار، حسب الطراز والسعة والبطارية. ومع فرض ضرائب إضافية، زادت الأسعار بشكل كبير، ما جعل هذه السيارات أقل جاذبية للمستهلكين المحليين، الذين يعانون من ضغوط اقتصادية متعددة. هذا القرار لم يؤثر فقط على التجار، الذين تكبدوا خسائر مالية نتيجة مخزون كبير من السيارات غير المسوقة، بل أثر أيضًا على جهود الحكومة الرامية لتشجيع النقل المستدام وتقليل الانبعاثات الكربونية.
من وجهة نظر اقتصادية تحليلية، تأتي هذه السياسات في وقتٍ كان يمكن فيه تحقيق فوائد أكبر للسوق المحلي والحكومة على حد سواء. تقليص الضرائب الجمركية بنسبة 50%، على سبيل المثال، كان من شأنه تحفيز الطلب المحلي على السيارات الكهربائية والهجينة، التي تشكل حاليًا نحو 18% من أسطول السيارات في المملكة. مثل هذا القرار كان سيزيد من استيراد هذه السيارات، مما يرفع حجم الإيرادات الجمركية بشكل عام، مع الحفاظ على توجه المملكة نحو تحقيق أهداف بيئية. على سبيل المثال، تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري يخفف من فاتورة الطاقة الوطنية، في ظل اعتماد الأردن الكبير على استيراد الطاقة.
إضافة إلى ذلك، تحرير السوق من التعقيدات الإدارية وتسريع الإجراءات الجمركية سيعزز من مرونة السوق المحلي. يمكن للتجار استيراد سيارات بأسعار أقل، ما سيؤدي إلى تخفيض تكلفة البيع النهائي على المستهلكين، وبالتالي تشجيع استهلاك أكبر وتحريك عجلة الاقتصاد. القطاع الخاص أيضًا يجب أن يكون له دور رئيسي في تطوير البنية التحتية لوسائل النقل الكهربائية. في الوقت الحالي، توجد 60 محطة شحن فقط في المملكة، وهو رقم غير كافٍ لتلبية الطلب المتزايد على السيارات الكهربائية. تشجيع استثمارات القطاع الخاص في هذا المجال سيعزز من انتشار هذه السيارات ويزيد من فائدتها الاقتصادية.
زيادة الضرائب على السيارات الكهربائية والهجينة تأتي في وقتٍ كانت فيه المملكة بحاجة ماسة إلى تحسين بيئة الأعمال. من الضروري تبني سياسات استقرار تشريعي طويلة الأمد، تتجنب التغييرات المفاجئة في القوانين التي تربك المستثمرين وتؤثر على استراتيجياتهم طويلة المدى. تأكيد استقرار السياسات الجمركية لفترة لا تقل عن ثلاث سنوات سيعيد الثقة للسوق ويحفز التجار على استيراد المزيد من السيارات، مما سيؤدي إلى تحسين جودة السوق بشكل عام وزيادة الإيرادات الحكومية على المدى الطويل.
علاوة على ذلك، يجب أن تعتمد الحكومة على تعزيز المنافسة داخل السوق المحلي. دخول مزيد من العلامات التجارية والموردين إلى السوق سيساهم في خلق منافسة أكبر، مما سيؤدي إلى خفض الأسعار وتحسين الجودة. تحرير السوق من القيود الجمركية المرتفعة وتقديم تسهيلات استثمارية لتشجيع الشركات العالمية على دخول السوق الأردني سيخلق بيئة استثمارية تنافسية قادرة على مواكبة التحولات العالمية في قطاع السيارات.
في الختام، يجب على الأردن أن يتبنى سياسات اقتصادية تعزز من حرية السوق وتقلل من الأعباء الجمركية والضريبية على المستثمرين والمستهلكين. تحفيز قطاع السيارات الكهربائية والهجينة من خلال تخفيض الضرائب وتسهيل الإجراءات الجمركية سيساهم في دعم الاقتصاد المحلي، تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتحقيق أهداف بيئية مهمة.