جعفر حسان يدخل الدوار الرابع في رحم الأزمات

عصام جلال  المبيضين 

يأتي التكنوقراطيّ جعفر حسان  إلى الدوار الرابع، مُتدّثرًا بعباءتي النيوليبراليّة والاقتصاد الحر ، بعد سنوات من إقامته بالدوار الأول؛ وذلك في مطبخ التخطيط والتشبيك مع صندوق النقد والبنك الدوليين، يضاف إليها؛ الجهات الدولية بالقروض، والمساعدات، لكنّ العنوان البارز لتلك الشخصيّة اليوم، هو:"تكنوقراطيّ يقتحم عوالم السياسة." 
 
ولد وزير التخطيط والتعاون الأسبق جعفر حسان عام 1968، في العاصمة عمّان، وهو  يحمل درجتي الماجستير والدكتوراه في العلوم السياسية والاقتصاد الدولي من معهد الدراسات الدولية بجامعة جنيف السويسريّة، كما يحمل الماجستير في الإدارة العامة، من جامعة (هارفارد) الأميركية، والدرجة ذاتها في العلاقات الدولية من جامعة بوسطن، والبكالوريوس في العلاقات الدولية من الجامعة الأميركية بباريس.

وإذا ما أردنا الغوص في سيرته الذاتيّة ؛ نجد أنّ حسّان الخمسينيّ من عمره، والذي غزا الشيب مفارق شعره رجلَ اقتصاد تغلغل  في أجواء البيروقراطيّة  الحكومية مبكرًا، لسنوات طويلة، .. حيث بدأ حسّان العمل في القطاع العام منذ عام 1991 ملحقًا في وزارة الخارجيّة، ثم انتُدب بعد عامين للعمل في الديوان الملكيّ، ليلتحق بين عامي 1995 و1999 ببعثة الأردن الدائمة لدى الأمم المتحدة في جنيف، ثم عاد إلى العمل في الديوان الملكي حتى 2001 . 

وتولى حسّان حقيبة التخطيط  والتعاون الدولي، في عدة  حكومات ،  بين عامي 2009 و2013، .. ثم عُين مديرًا لمكتب  الملك عبدالله الثاني بين 2014 و2018  حتى قبل تكليفة بتشكيل الحكومة  الحالية .

ورغم سنوات عمله الطويل ، في البيروقراطية الحكوميّة ،لم يتغيّر موقفه منها ، ليكون  لجانب التيار المحافظ ، حيث ظلّ النهج الليبرالي والاقتصاد الحر المنفتح هو السائد، وهو من دعاة التخلص من دولة الرعاية والابوية، ويختلف مع الفكر المحافظ والحرس القديم، لكن اختلاف صموت،  حيث بقي حريصًا على عدم  الدخول في منازعات ومناكفات؛ من خلال اللجوء إلى تكتيكات سياسيّة كالصمت والانعزال والغموض، ومراقبة المشهد عن بعد، وتجنُّب المشاكل، والابتعاد عن الشلل السياسية والمكائد؛ ضمن استراتيجيّة عدم الصدام المبكر، الأمر الذي جعله - بحسب أحد المقرّبين منه -  يعيش فترةَ ”نقاهة سياسية.”

وأحيانًا لا ينكر منتقدي الرجل أنّ تمسُّكه الصارم بالليبراليّة بشكل فضفاض، وعدم  خروجه واختلاطه بمختلف الأوساط والنخب المتوسطة ؛ كوّنت صورةً ضبابيّةً، وبالأحرى؛ صورة حمّالة أوجه، ربما ظالمة وشخصية ، ولكن  اعتكافه الدائم سبّب لتراجعً   شعبيته  ،...ولكن رئيس الوزراء المكلّف  حركاته محدودة جدا ، وعلاقته وصداقاته  قليلة ،  وهي محسوبة وهو  قلما يشاهد في المناسبات العامة  ،لان الصالونات  لها روادها وعالمها ، وهو ابتعد عنها وهذا سبب الاعتكاف  الذي ربما  كان لصالحه.

 وهنا تتعدّد الآراء حول حسّان، فبالرغم من ملاحظات خصومه وانتقاداتهم، فهنالك من يراه رجلًا سياسيًّا ورجلَ دولة يعرف خبايا  الاقتصاد والسياسة وكواليسها، وهناك من يراة  بصورة اخرى، وأكثر من ذلك؛ فالسيرة الذاتية وسنوات العمل العام البيروقراطيّ مع حكومات في الزمن الصعب كحكومات سمير الرفاعي، والمرحوم  معروف البخيت وعون الخصاونة والمرحوم  فايز الطراونة وعبد الله النسور جعلت  خبراته تفيض بالشواهد العليا، كأنّه  قطعة متحرّكة وازنة في هذه اللعبة، وبين الدّورين  مسافةٌ لا يحسن عبورها؛ إلا من يقرأ المشهد ويعرف خواتم الأمور  .  

هواة النبش كعادتهم ،حفروا في أعماق  تاريخ الرجل  عبر جوجل ،  وعبر كل شيء يتعلّق بتاريخه، وضجّت جروبات الواتس آب، وحفلت مجالس النميمة والنخب والصالونات السياسيّة بالأسرار.والبعض يبحث عن فك شيفرة شخصيتة   ربما من اجل تعبيد الطريق  ليحمل لقب معالي بحكومته. 
 
من هنا  وهناك  تحركت التسريبات ، وأصبح كتابه "بناء في رحم الأزمات"، تحت مجهر الشخصيّات " الاصلاح عندة بلون  اخر " بيريسترويكا،  خاصة بكتاب  في رحم الازمات ،   والكتاب  تحت أضواء (التيبل لامب) الليليّة لدى المحلّلين،.. وحتّى هواة الصيد  ذهبوا بعيدا  على خيولهم الجامحة  ،والتقطوا عبر (السوشال ميديا)  غمزات الوجه، والاناقة ،  وسط" انتفاضة نسائيّة  و" حول أناقة الرئيس؛  ما دفع بعض النسوة إلى تشبيهه بالممثّل العالميّ جورج كلوني . 

ويظلُّ  كتاب "بناء في رحم الأزمات" في مئتين وتسعين صفحةً؛ هو نهج الرجل الاقتصاديّ،  لمن يرغب  يعرف عصارة أفكاره، والتي تمحورت حول انتقادات مبطنة للحكومات خلال سني عمله العام، كما أنّه انتقد النهج الاقتصادي المفرط بالاعتماد على المساعدات، وعدم جلب الاستثمارات وتوسع القطاع العام، والهجرات داخل الوطن، التوجه نحو القروض المكلفة بدلًا من المنح، حيث اعتبر هذا النهج أحد الأسباب الرئيسة في وقوع أزمة اقتصادية حادة، مقترحًا استبدال الاستثمارات بالمساعدات، وتعزيز إمكانيات الاعتماد على الذات من خلال بناء القطاعات المعرفيّة والتصديريّة، وزيادة تنافسيتها عالمياً؛ لبناء قطاع خاص قوي يكون ركيزة لاقتصاد المملكة، وتوجيه الإنفاق الحكوميّ للتعليم والصحة، وشبكة الأمان الاجتماعيّ،

  وفي ثنايا الكتاب؛ ملامح وإشارات ولقطات  مهمة أنّ الرجل قادم لاستعادة الولاية العامة ، كرئيس وزراء، حيث تطرّق حسّان إلى نقاط مهمة، أبرزها؛ انتقاده لبعض المسؤولين مَن واجه تحديات المرحلة، وظروفها الصعبة، وتعامَل مع المعادلات المستعصية بحكمة وشجاعة، وفي المقابل؛ هناك مَن لم يكن بحجم التحدّي ، أو على مستوى ما تتطلبه الرؤية الملكية، إمّا لافتقاره إلى سمات القيادة، أو لاستسلامه للخوف والتردد، أو لعدم قناعته أو فهمه لمتطلبات الإصلاح.

 ويضيف حسّان في حديث له: "إذا كان بعضهم يبرّر تقصيره بنقص الصلاحيات أو عدم امتلاك الولاية العامة، فهذه ذرائع لتغطية أوجه الضعف والفشل في إدارته. كما أنّ المشكلة الأساسية لا ترتبط بتغيير الحكومات بقدر ما تكمن في آلية عملها"
.
 ليطرح الخصوم أسئلةً بزاويا حرجة حول مشاركته لسنوات طويلة في أغلب الحكومات؛ وهو يوصف بالرجل القويّ الذي يملك كاريزما، في مطبخ التخطيط، حيث  شارك فيها لسنوات طويلة في صناعة القرار الاقتصاديّ، وهو يدين مرحلة شارك فيها بشكل أو آخر، فلماذا لم يقرع الخزان ويشارك بالإصلاح ؟ 

على العموم؛ البعض يؤكّد أنّ "كلام القرايا يختلف عن السرايا" بالنسبة لرئيس الوزراء المكلف، إذ أنّ القادم صعب، وهو كان بمثابة شاهد "شاف كل حاجة بأم عينيه"، وتعرّض  الحكومات  للقصف بكافّة أنواع الأسلحة الكلاميّة  ،  تحت قبة البرلمان   بالعبدلي، كما تعرّضت للانتقاد خلال جلسات الثقة والموازنة والطلبات الخدميّة، الأهم؛ أنّ حسّان واكب وشاهد الصخب والاحتجاج  بالشارع  والمحافظات ، على حكومات الرفاعي والملقي الذي عيّنه نائبا له ووزير دولة للشؤون الاقتصاديّة في حكومته التي أطيح بها إثر الاحتجاجات عام 2018.

لكنّ حسّان يعرف أن الأيام القادمة ليست (سمنًا وعسلًا) خصوصًا في العلاقة مع نوّاب الخدمات ــ والأيديولوجيا الذين وعدوا الشارع بشعارات لم يجف حبرها بعد، فيما يبحث المتربصون بالـ(السوشال ميديا)عن الهفوات ، وهم دأبهم؛ بتعظيم السلبيات للأسف، وسط ذلك  خاصة  مع  رسوخ  صورة النمطيّة عن الحكومات، وآخرها؛حكومة بشر الخصاونة التي وزعت رسالةً قاسيةً لشعب منهك من الفقر والبطالة بالسيارات الكهربائية  ويتحدث البعض  عن رزمة اصلاحات اقتصادية  قادمة مع الرجل القادم لاستعادة الولاية العامة لن تروق بالتاكيد لعشاق الشعبوية .
 
أمّا الرجل الغامض بسلامته  يعتمد على خبرته وحنكته، خاصّةً، أن هناك كوتا للحكومة  تحت قبة البرلمان ممثلةً بأحزاب الميثاق،  وإرادة، وعزم، وتقدم، والوسط الاسلاميّ،... الخ  وبعض المستقلين كاحتياط استراتيجيّ عند الحاجة، بمواجهة تحالف إسلاميّ يتقد حماسًا   لتسجيل أهداف في مرمى الدوار الرابع، وسط تشجيع قواعده، وتحت أنظار نصف مليون في الشارع من الذين انتخبوهم ،

  ورغم أنّ المسار المهنيّ،   صعب  فان   حسان  يخوض الغمار بعظامًا طريّةً  بالعمل السياسي، غير أنه سيحمل الآن قبعة أحزب  الوسط كروافع للحكومة واحتياط استراتيجيّ جاهز يتصرف بطريقة منطقية عند الحاجة والتوسع في الشراكات، كما سارع الى مبدأ  رابح ـ رابح، بتنازلات تكتيكية    وعليه؛  يحرص حسان  على  عدم تدوير الوجوه والمراهنة،  لان من سبّب المشكلة  ليس لديه الحل 

وينصح مراقبون حسّان أن يقترب بخطواته  وقراراته وخطاباته من الشعب، ويكسر مرآة الصورة النمطيّة عن التكنوقراط والليبراليين و وذكريات الخصخصة، إذ أنّ مخزون ذاكرتهم  مليئة بالجروح ،  ويظل الحلم بتخفيف ارقام البطالة ؛ خاصة  هو أحد مهندسي فكرة التحديث الاقتصاديّ، وتوفير مليون فرصة عمل.

وعلى العموم؛ يدرك حسّان أنه في الموقع الأول، والأضواء مسلطة عليه، وخرج من الظل  وقلم التوقيع  بيده على  طاولة القرارات  القاسية  القادمة بالرابع، وهو يتحدى أن التكنوقراط سيكون له هذه المرة  نقطة التشبيك، وإيجاد موطئ قدم شعبيّ له كسفير نوايا حسنة أمام حكومات فقدت الثقة بها شعبيًا،

 فيما المطوب خطوات إصلاحية جراحيّة عميقة في اقتصاد يعيش على (أوكسجين) القروض والضرائب ووصفات  الجهات الدولية، ونقل الاقتصاد من رحم الازمات يتطلّب الانتقال من برج التنظير العاجيّ في  الموتمرات  إلى حركة الجرافات، وتقوية البنيات التحتيّة، وإصلاح مجالات الاستثمار بالمواكبة مع الإصلاحات الاجتماعيّة الداخليّة،  والابتعاد  عن توزير  الاصدقاء والمعارف  فالمرحلة لاتسمح بمزيد من المراهنات 

والمطلوب أيضًا كسب مناعة حمائية كبيرة تعفيه من التبعية العمياء للشركاء التقليديين الذين يستفيدون من هذه التبعية لفرض إملاءاتهم وهيمنتهم غير المحدودة مثل البنك الدولي وصندوق النقد؛ عبر كسب مناعة النظام الاقتصادي والمالي الذي يعتبر ضمانة صلبة لاختياراته الإصلاحيّة، وهناك أيضًا ما يُطلق عليه «اقتصاد الفقراء» الذي استوعبته بعض الدول كبنغلادش مع البروفيسور محمد يونس الحائز على جائزة نوبل للسلام،

 والمهم تفعيل الليبرالية السياسيّة لتوازي الليبرالية الاقتصاديّة في فكر حسان  أمّا فيما يتعلّق بتطبيق خطة التحديث الاقتصاديّ؛ فإنّه ليس مشروعًا طوباويًّا حالمًا، كما يعتقد البعض  والذي ارتكز على توفير مليون فرصة عمل بواقع (100) ألف سنويًا، وكذلك استقطاب استثمارات بمعدل 1.5 مليار دينار، وتحفيز وتمكين الاستثمارات الوطنيّة بمعدل 2.5 مليار تحدٍ كبير من 2023 إلى 2025، 

وهي  مرتكز أساسي لتحقيق مستهدفات الرؤية الاقتصادية،  فيما رأى خبراء اقتصاديّون أنّ الطريقة الوحيدة لإيجاد فرص عمل تكمن في تمكين القطاع الخاص، على قاعدة أنه شريك أساسي في عمليّة التنمية الاقتصاديّة وفي تنمية الاقتصاد وتكبير الاقتصاد، وخلق فرص عمل، والدخول في إصلاحات مساندة أخرى كإصلاح التعليم، والصحة والخدمات  ودراسة واقع وجود    (100)  ضريبة يدفعها المواطن بينما يذهب ربع دخل الأردنيين لدفع الضرائب  ،ولكن رغم كل ذلك   الطموحات  انه  خلال (10) سنوات  سيتم تحسين مستوى وجودة حياة المواطنين، و تحقيق نمو اقتصادي يصل إلى نحو 5.6 في المئة.   

وفي النهايّة؛ حسان الذي دخل إلى الدوّار الرابع يقف أمام استحقاقات صعبة، وبرلمان متربص، وأحزاب  تنهض، وإقليم ملتهب، واقتصاد يعاني، وشعب ينتظر، وإعلام ينتقد بشراسة، والمطلوب؛ التوضيح والحديث  بلغة  شعبية بسيطة وفهم لسيكولوجيّة المجتمع الأردنيّ؛ لأنّ المتربصين كثر، وصيادي الهفوات أكثر، وتجربة حكومات الملقي  والرفاعي وعدنان بدران لا زالت ماثلةً، وسط حلبة ملاكمة سياسيّة، كما أنّ هناك مشكلةً واحدةً واضحةً؛ وهي أن البشر لا يتصرفون دائمًا بعقلانيّة؛ لأن التنافس على أشده،  فقد شبّهت السياسة بمباراة في لعبة الشطرنج، تخوض كل قطعة منها معركتها الضارية؛ لتحافظ على وجودها أطول وقت ممكن.