صراع تراكمي
حمادة فراعنة
تتواصل حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والدفع باتجاه ترحيل الفلسطينيين من بلدهم وتشريدهم والتقليل من عددهم ووجودهم سواء في قطاع غزة بشكل خاص، بعد 7 أكتوبر، ومن الضفة الفلسطينية والقدس العربية بشكل عام، تنفيذاً لبرنامج المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، بالسيطرة الكاملة على كامل خارطة فلسطين وفق ما تفعله سياسة ونهج الفريق الحاكم، حكومة نتنياهو، والمؤتلفة بين: 1- الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة، مع 2- الأحزاب الدينية اليهودية المتشددة.
تتواصل حرب الإبادة الجماعية للفلسطينيين من قبل قوات المستعمرة، وتعمل حكومة نتنياهو على إحباط كافة مساعي وساطة التوصل إلى: 1- وقف إطلاق النار، 2- تبادل الأسرى، 3- الانسحاب من قطاع غزة، لأن هذه العناوين الرئيسية تنقل حكومة نتنياهو إلى حالة الهزيمة على خلفية فشلها في تحقيق أهدافها المعلنة: 1- إنهاء المقاومة وتصفية قياداتها، 2- إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين بدون عملية تبادل.
بالمقابل نشهد التحولات الإيجابية لصالح قضية الشعب الفلسطيني، والانحيازات التدريجية مهما بدت بطيئة، ولكنها تدريجية تراكمية تسير باتجاهين: أولهما الدعم والتأييد والتعاطف والتضامن من قبل قطاعات واسعة من الشعوب الأميركية والأوروبية للشعب الفلسطيني، وثانيهما انحسار وتراجع مكانة المستعمرة لدى هذه الشعوب التي وقفت مع معاناة اليهود وما تعرضوا له من أذى في أوروبا على يد القيصرية الروسية والنازية الألمانية والفاشية الايطالية.
المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان، تعرض ولايزال إلى ضغوط من قبل الولايات المتحدة، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا وغيرهم، تطالبه بالتراجع عن توجيه تهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الشعب العربي الفلسطيني، من قبل قوات المستعمرة، وتحميل نتنياهو رئيس حكومتها، ويوأف غالنت وزير الجيش فيها، مسؤولية تلك الجرائم، ولكن كريم خان ثبت في موقفه رغم التأخير والتردد القائم على مواصلة إجراءات المحاكمة لقادة المستعمرة، مع أنه ارتكب خطيئة كبيرة لعدم شمول مطالبته رئيس أركان جيش المستعمرة ليكون ضمن فريق الاستدعاء تمهيداً للمحاكمة الدولية.
في مدينة بوسطن الأميركية، أضرم «مات نيلسون» النار بنفسه قرب القنصلية الإسرائيلية يوم الأربعاء 11 أيلول سبتمبر 2024، احتجاجاً على «الإبادة الجماعية» التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد قوات المستعمرة، وكتب في نشرة على حسابه الشخصي بعد أن عرّف على نفسه، وأنه على وشك القيام في عمل احتجاجي: « نحن جميعاً مذنبون في الإبادة الجماعية المستمرة في غزة» وذلك تعبيراً عن مشاركة الولايات المتحدة ودعمها العسكري للمستعمرة، وتمويلها لاحتياجاتها المالية وتغطية كلفة ما تقوم به من جرائم بحق الفلسطينيين والشعوب العربية المحيطة.
ونيلسون ليس أول أميركي يُقدم على هذه الخطوة الاحتجاجية الانتحارية فقد سبقه الجندي الأميركي أرون بوشنيل يوم 24 شباط فبراير 2024، على حرق نفسه أمام سفارة المستعمرة في واشنطن احتجاجاً على أفعالها ضد الفلسطينيين وقال عن نفسه: « لن أكون شريكاً في جريمة الإبادة الجماعية» .
في إسبانيا التي سبق وأن اعترفت مع النرويج وإيرلندا بالدولة الفلسطينية يوم 28 أيار مايو 2024، عُقد مؤتمر وزاري لمجموعة الاتصال العربية الإسلامية التي تضم مصر والسعودية وقطر والأردن وإندونيسيا ونيجيريا وتركيا، المنبثقة عن القمة العربية الإسلامية التي عُقدت يوم السبت 11 تشرين الثاني نوفمبر 2023 في الرياض، عُقد المؤتمر الوزاري المشترك بحضور عدد من البلدان الأوروبية يوم 13 أيلول سبتمبر 2024، وناقش الوضع المأساوي في قطاع غزة وصدر بيان يُطالب « بإنهاء الوضع في غزة وتنفيذ حل الدولتين» واستنكر: «التصعيد الخطير في الضفة الفلسطينية، وطالب بوقف فوري للهجمات العسكرية ضد الفلسطينيين»، كما استنكر: « الإجراءات الإسرائيلية الأحادية غير القانونية، وبناء المستوطنات، وعمليات التهجير القسري»، واعتبرها «تقويضاً للسلم والأمن الدوليين» .
انحيازات تراكمية لها دلائل ومؤشرات واضحة لصالح الغد الفلسطيني المقبل.