الأحزاب الأردنية.. أما بعد
عمر عليمات
تسمية الأمور بمسمياتها، ليست جلداً للذات، أو نقداً سلبياً للتجارب الجديدة، بقدر ما هو قراءة للمشهد، لوضع الأمور في نصابها الصحيح، بحيث نؤسس لمرحلة قائمة على التقييم المستمر وأخذ العبر والدروس لتحسين التجربة مستقبلاً، وهذا هو ديدن العالم كله، وليس حكراً على أحد.
في خضم مشهد الانتخابات النيابية، ورغم أن الكل مجمع على أن الدولة الأردنية أدارت عملية انتخابية ناجحة بكل ما تعني الكلمة، إلا أن المثير للاهتمام أن عدداً غير قليل من المرشحين قدموا أنفسهم كمرشحي «إجماع عشائري» وأداروا حملتهم من بدايتها وحتى نهايتها بناء على الإسناد العشائري، وشعارات رفع اسم العشيرة ووعود الخدمات، دون أي إشارة للأحزاب أو العمل النيابي الحزبي، وبين ليلة وضحاها بعد الفوز أعلنوا انتماءاتهم الحزبية، وهذا ما يعني بالضرورة التزامهم بقواعد العمل الحزبي البرلماني بعيداً عن أي صيغ عشائرية وخدماتية.
لا أحد يجادل أن المطلوب هو برلمان حزبي قائم على البرامج والكتل الوازنة ذات الرؤى والأفكار القادرة على الارتقاء بأداء البرلمان بشكل يخلق حياة سياسية بعيدة عن «الشخصنة» والمواقف الفردية، إلا أن الوصول إلى قبة البرلمان على أكتاف العشيرة ومن ثم إدارة الظهر لها والذهاب إلى التزامات حزبية له دلالات ومؤشرات تعطي انطباعاً سلبياً لدى الناخب عن مجمل الحياة الحزبية.
إذا أردنا أن نكون أكثر وضوحاً علينا أن نسأل السؤال التالي: ألم يُغرر بالناخب؟ بحيث تم شحنه بالعواطف القبلية والعشائرية لدفعه للتصويت، ألا يعطي هذا السلوك انطباعاً أن المرشح نفسه غير مقتنع بقدرة حزبه على المنافسة؟ أو عدم قناعته شخصياً بمجمل التجربة الحزبية؟ وإلا لماذا قدم نفسه عشائرياً ومن ثم انقلب على ناخبيه وأعلن حزبيته؟ أليس من حق الناخب أن يتساءل إذا ما كان هذا النائب سيصبح ممثلاً له أم ممثلاً للحزب الذي أعلن عن انتمائه له؟ هي أسئلة مشروعة وعلى البعض ممن ممارس هذه التصرفات تبريرها لناخبيه غداً، أو تبريرها لحزبيه عندما يريد أن يأخذ موقفاً يخدم عشيرته ويتقاطع مع رؤى حزبه.
الناخب، الذي قدم صوته بناءً على علاقة عشائرية أو صلة قرابة، ليس بالضرورة مؤمنًا بالحياة الحزبية، واستغلال البعض للعشيرة للوصول إلى البرلمان لن يقدم اداءً حزبياً حقيقياً تحت القبة، وهذا ما يثير الكثير من التساؤلات حول جدية الأحزاب في استقطاب مثل فئات المجتمع المختلفة، ودور الناخبين في تقييم خياراتهم بشكل أفضل، وإذا كانت الأحزاب تأخذ تجربتها الحزبية على محمل الجد، فعليها أن تضع في الحسبان أن دعم مرشحين بصفة العشائريين لا يخدم التجربة الحزبية الحقيقية، ولن يكون الأمر أكثر من غطاء شكلي لواقع لم يتغير فعلياً.
هي تجربة ومضت، ولكل تجربة في بدايتها هنات ونقاط ضعف، وهذا أمر طبيعي، ولكن العبرة والدروس يجب أن يستفاد منها، ولا بد من أن تعقد الأحزاب ورش عمل لمناقشة عثراتها ونقاط ضعفها وقوتها، للوصول إلى حياة سياسية مبنية على قناعات حقيقية، سواء كانت عشائرية أو حزبية، ويجب أن يكون الناخب واعياً لهذه الحقائق قبل أن يضع صوته في صندوق الاقتراع، أما أن ينتخب شخص بقناعات ورؤى معينة ثم يجد نائباً برؤى وقناعات حزب معين، فذلك لن يوصلنا إلى تجذير حقيقي للحياة الحزبية.
بالمحصلة، الدولة الأردنية حققت نجاحاً لا تخطئه العين، واستطاعت أن تدير انتخابات في ظروف جيوسياسية صعبة وخرجت بحالة غير مسبوقة من الرضى الشعبي، ويبقى الدور على الأحزاب خلال السنوات الأربع المقبلة، فإما تقديم أشخاص لديهم القدرة على إقناع الناس ببرنامج الحزب والوصول إلى القبة على هذا الأساس، أو الإعلان عن انتماء المرشح العشائري سلفاً، بحيث يعرف الناخب لمن سيدلي بصوته.