الزعبي يكتب : شعب عظيم شامخ
الاستاذ الدكتور عبدالله سرور الزعبي
هكذا وصف جلالة الملك الشعب الاردني في خطابه الموجه للشعب الاردني بتاريخ 9/6/2024 بمناسبة عيد الجلوس الملكي.
هكذا لبى الأردنيون توجيهات جلالة الملك وعزمه على المضي قدماً في اصلاح المنظومة السياسية بمشاركتهم في انتخاب مجلس النواب العشرين وبمشاركة كافة الاحزاب على الساحة الاردنية. انتخابات جاءت في ضل وضع جيوسياسي مضطرب واقليم ملتهب ومتخوف من اندلاع حرب اقليمية كبرى، الامر الذي ينعكس على الحياة السياسية الاردنية الخارجية ( والتي تتميز بالديناميكية والفاعلية) والداخلية منها والاوضاع الاجتماعية والاقتصادية وما يصدر عنها من ارتدادات جانبية مختلفة.
وعلى الرغم من معرفة الاردنيين بان هذه العملية السياسية الوطنية تعتبر الاهم في رسم المخرجات التشريعية والاقتصادية والسياسية لاربع سنوات قادمة وعلى الرغم من ان نسبة المشاركة كانت مقبولة الى حد ما، الا انها كانت دون الطموح، والتي قد تعود اسبابها لوجود فجوة في الثقة بين السلطة التنفيذية والشارع الاردني، ويضاف لها الاسباب الاقتصادية والاجتماعية والتشكيك بالنزاهة والشفافية وقد تعود ايضاً الى الى ما كان يصدر من تصريحات عن بعض الاحزاب وغيرها.
انتهت الانتخابات الاولى التي تجري في المئوية الثانية من عمر الدولة وتمت بنجاح باهر من حيث التنظيم والنزاهة والشفافية والتي يشهد بها الجميع وبمن فيهم المراقبين الدوليين، مما ولد شعور بالندم لدى الكثير ممن لم يشاركوا فيها بفاعلية للمساهمة في احداث التغير المنشود.
جاءت نتائج الانتخابات للمجلس العشرين انتصاراً كبيرا للدولة الاردنية بكافة مكوناتها، وفازت الاحزاب بالمقاعد الحزبية التي تستحقها (حسب نتائج الانتخابات) وعلى الرغم من وجود فارق كبير بين عدد مقاعد الاحزب الفتية وحزب جبهة العمل الاسلامي الاردني الضارب في الجذور والممارس للعمل السياسي منذ ما يقارب الثمانية عقود، وهو امر طبيعي في مجتمع مثل المجتمع الاردني ذو النشئة الاسلامية والمحافظ بطبيعته، يضاف الى ذلك ارثه ورصيده في الشارع من خلال المؤسسات الاجتماعية الطبية منها والاقتصادية التي أسسها خلال العقود الماضيه وما زال في الأذهان لدى البعض انطباعات عن قيادات بحكمة معالي المرحوم عبداللطيف عربيات رئيس مجلس النواب في احدى السنوات من تسعينيات القرن الماضي (تم منحه لقب معالي في ذلك الوقت من قبل جلالة المغفور الملك الحسين بن طلال) وغيره، سهل إيصال رسائل جبهة العمل الإسلامي للشارع الأردني في كافة مناطق المملكة، مستفيداً ايضاً من الظروف الاقليمة وخاصة ما يجري على الساحة الفلسطينية وغضب الشارع والقيادة الأردنية من الأعمال التي تمارسها حكومة التطرف الاسرائيلية ضد الأشقاء فحصل على هذه النتيجة.
من منطلق ايماننا بان عجلة اصلاح المنظومة السياسية قد انطلقت وتحققت اول حلقة من حلقات النجاح ومن منطلق ان كافة الاحزاب تسعى بالنهوض في قطاعات الدولة الاردنية كافة لتحقيق الاهداف الكبرى من امن واستقرار ورخاء اقتصادي وخدمات تعليمية وصحية عالية الجودة وامن غذائي وغيرها، فانني على قناعة تامة بان النضوج والحكمة متوفرة لدى الجميع لتضافر الجهود بين كافة الجهات لتعظيم المنجزات دون تميز بين المعارض منها وغير المعرض (الانتماء للاردن والولاء لقيادته الهاشمية).
كما انني ارى ان من واجب كافة الاحزاب والكتل البرلمانية ان تعمل سوياً لمواجهة الازمات التي تواجه المجتمع الاردنين على حقيقتها دون مجاملة، والتي منها تراجع النظام التعليمي وازمة المياه والطاقة وتراجع الاستثمار وارتفاع الضرائب والبطالة، وان تعمل على الالتزام بوضع خطوات تنفيذية لحلها، لا ان تتجاهلها وتجامل على حسابها وتعمل على ترحيلها للتفاقم في المستقبل وتكون تكلفة حلها باهضة الثمن.
نحن ندرك باننا نمر في ظرف صعب، وتحت ضغوط خارجية كبيرة، الا انه اذا توفرت الارادة الحقيقة لدى القيادات التنفيذية الكفوءة (لا القيادات الساكنة والمطمئنة الى ان التقيم يكون بقدر التعاون بين اصحاب المصالح وخدمة لهم)، والراغبة في احداث الفرق فان مؤسسات الدولة المختلفة قادرة على تحقيق النجاحات، وحل المشاكل والتي يشير اليها البعض بالمستعصية.
ان مثل هذه الاجراءات اذا ما اصبحت ملموسة، فانها تعمل على اعادة تشكيل المعادلة الداخلية والثقة في المؤسسات العامة وبالتالي تضمن توازنات استراتيجية ليس على المستوى الوطني فقط (المتميز بتنوعه الافقي والعمودي، وعليه يجب ان تكون الرؤية جامعة)، بل على المستوى الاقليمي وغيرها من المستويات على الساحة العالمية، ولدينا على ذلك الكثير من الشواهد التي استطاع الأردن لعب دور عظيم فيها اما من قبل جلالة الملك مباشرة او من خلال تنفيذ توجيهاته.
اننا في هذا الظرف الدقيق، ومع وجود الكثير من المتربصين بنا، علينا ان نقدم التنازلات الداخلية التي تخدم المصلحة الاردنية العظمى مؤمنين بان الجميع للوطن، الحاضن لاهله والمستجير به من العرب. كما انه لمن الضروري ان يدرك الجميع مفهوم هذا المعنى دون مزايدات، بل من اجل العمل على سد الثغرات وتقوية الجبهة الداخلية، معتمدين على قيادة هاشمية صاحبة الرسالة الدينية والتاريخية والوصاية على القدس الشريف، لنكون عوناً وسنداً للاشقاء في فلسطين لنيل حقوقهم باقامة دولة لهم على ترابهم وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.