آبل: لمن يجرؤ
إسماعيل الشريف
إلى من أشتكي؟ ولمن أناجي إذا ضاقت بما فيها الصدور- أبو فراس الحمداني
في التاسع من أكتوبر العام الماضي، وجه المدير التنفيذي لشركة آبل تيم كوك رسالة إلى العاملين في الشركة - المتخصصة في الإلكترونيات الاستهلاكية والتقنية، وأهم منتجاتها الهواتف المحمولة، وهي ثاني أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية - عبّر فيها عن تعاطفه مع ضحايا الصهاينة في السابع من أكتوبر.
رغم مرور قرابة العام تقريبا على الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، وتدمير أكثر من 70% من القطاع، وتقارير تؤكد تجاوز عدد الشهداء المئتي ألف، أي ما يعادل 10% من السكان، ومع الضغوط الهائلة التي يواجهها من موظفيه وحاملي الأسهم، بالإضافة إلى المنظمات الإسلامية والعربية في الولايات المتحدة، لإصدار رسالة تعاطف مماثلة مع الضحايا الفلسطينيين، إلا أنه حتى هذه اللحظة لم يُصدرها.
كشف موقع «ذا انترسيبت» أن شركة آبل تواجه انتقادات لاذعة من مجموعة تضم نحو مئتي شخص من موظفيها السابقين والحاليين، بالإضافة إلى حملة الأسهم، والذين أطلقوا على أنفسهم اسم #Apple4Ceasefire. هذه المجموعة لم تكتفِ بإصدار رسالة مفتوحة إلى الشركة، بل تمارس ضغوطًا مستمرة عليها لوقف التبرعات للمنظمات غير الربحية التي تربطها علاقات مباشرة بجيش الاحتلال المجرم والمشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية.
يتوفر لدى شركة آبل برنامج يسمى «برنامج مطابقة التبرعات»، حيث تقدم الشركة تبرعًا مساويًا لأي تبرع يقدمه الموظفون. من خلال هذا البرنامج، قدمت آبل تبرعات إلى منظمات مثل «أصدقاء جيش الدفاع» و»الصندوق القومي اليهودي». ويكشف التقرير أن جيش الاحتلال وحده حصل على تبرعات بلغت 34.5 مليون دولار في الأسابيع الأولى من عملية «طوفان الأقصى».
وبطبيعة الحال، لا تختلف شركة آبل عن بقية عمالقة التكنولوجيا مثل جوجل وميتا في دعمها الصريح لجيش الاحتلال. فقد اتبعت آبل نفس النهج القمعي بفصل الموظفين الذين أبدوا تعاطفهم مع الفلسطينيين، ولم تكتفِ بذلك، بل حظرت أيضًا ارتداء الأساور والكوفيات والدبابيس الفلسطينية، في محاولة لإسكات أي صوت يساند القضية الفلسطينية داخل الشركة.
هذه الشركات للأسف تتستر خلف ادعاءات كاذبة كالالتزام بمعايير حقوق الإنسان، وتزعم الحياد السياسي، بينما تثبت هذه الحرب بما لا يدع مجالًا للشك أن هذه الشركات تعمل على نحو مباشر لخدمة المشروع الصهيوني، وتُعتبر أداة فعالة في يد الإمبريالية العالمية، تقف بقوة ضد كل من يناصر القضية الفلسطينية.
نجحنا إلى حد ما في مقاطعة الشركات الإمبريالية أو الداعمة للكيان الصهيوني، فهي شركات واضحة يمكن تحديدها واستبدال منتجاتها بالمنتج الأردني. ولكن تصبح الأمور أكثر تعقيدًا، وأحيانًا مستحيلة، عندما يتعلق الأمر بمقاطعة شركات التكنولوجيا التي تسيطر على حياتنا، وتتشابك مع كل تفاصيلها اليومية.
قبل بضعة أسابيع، قامت شركة ميتا بإزالة تصريحات الرئيس أردوغان المناهضة للصهاينة، فما كان من تركيا إلا أن حظرت تطبيقات ميتا فورا. ونتيجة لذلك، سارعت ميتا بإرسال رسالة اعتذار، وأعادت نشر جميع تصريحات أردوغان. هذه الحادثة تؤكد أن أكثر ما يؤلم هذه الشركات هو انخفاض عائداتها. وتتوالى الأخبار بأن كبار مديري الشركات العملاقة قد فقدوا وظائفهم بسبب تراجع إيرادات شركاتهم نتيجة لحملات المقاطعة.
أكتب عن آبل وكلي خجل، فهاتفي آبل منذ إصدارهم الأول، وأنا مشترك في عشرات التطبيقات التي تقدمها الشركة، وهذا ينطبق على جميع أبنائي أيضًا. شعرت أن عليّ أن أفعل شيئًا، لذا وضعت خطة عمل للمشاركة في الضغط على آبل، بدأت بقرار عدم شراء أي هاتف آبل جديد مستقبلا أبدًا، والتوقف عن شراء أي من منتجاتهم الأخرى أو استخدام خدماتهم، مثل الاشتراك الشهري في السحابة. كما شاركت في وسم موظفي آبل المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، وبدأت بالمشاركة في كل الوسائل المتاحة للتواصل مع آبل للتعبير عن معارضتي لدعمهم للكيان الصهيوني.
لكن هل هذا يكفي؟ بالطبع لا. فالمفروض أن أرمي هذا الهاتف بعيدًا، أن أقاطعه تمامًا، وأن أتحرر من كل قيودي التي تربطني بهذه الشركة أو غيرها التي لا تتورع عن دعم الظلم!.
أصدرت آبل هاتفها الجديد آيفون في نسخته السادسة عشرة، وسيتم اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة استقبال الطلبات المسبقة. فهل ستقوم، عزيزي القارئ، بطلبه؟ أم ستستغل الحدث لترسل رسالة قوية إلى آبل بعدم طلب هاتفها الجديد؟