قلّاية الجبّار الوصّال
بشار جرار
نستهل بما هو خير. نعلّم الجاهل والجاحد، القاصي والداني، نعلّمهم -كما في اللهجة والأبجديات البدوية- نعلّمهم بمعنى نخبرهم ونلقنهم درسا أيضا، أن للمفردات لدينا -لدى ربعنا- معاني لا تدركها بعض الأنام!.
القلّاية، قلّاية البندورة، كما صحن الرّشوف، كما كاسة الجعدة وهي عشبة من أنواع الشّيح بحسب ابن سينا، لا يعلمها إلا المخلصون -بفتح اللام وكسرها- ولا يعرف قدرها إلا العارفون بما لا يعرف الجهل به أولئك النفر القليل من الجاحدين الذين تندروا فتنمروا حسدا وحقدا، وقلة أدب وقلة حيلة، على ما قدم ويقدم الأردن و»أول الجند فيه ملك»، للعرين الهاشمي أولا، ومن قبل تأسيس الإمارة وقيام المملكة، للشعب الفلسطيني حيثما كان، مواطنا، لاجئا، نازحا أو وافدا. ليس سرا على الأردنيين والفلسطينيين، أن كثيرا من دول العالم تأخذهما معا في كل الظروف، في السراء والضراء.
ما أجمل الرد وما أبلغه بعد الصمت، الرد الفعل لا ردة الفعل، الرد الفيصل لا الرد قولا ولا تقوّلا ولا افتعالا في سوق عكاظ هذا الزمان، زمن تهافت التهافت فيما سميت منصات «تواصل» اجتماعي. ها هو الرد والتاج المفدى وشعار الجيش يعلو الجبين ويتوسط العينين في صميم الوجدان وسويداء القلب، معلنا عن جدول زمني أقصاه ساعة، لجبر ما انكسر ووصل ما انقطع، ما بتره العنف والقمع والإرهاب من الأجساد في الجسم الفلسطيني الساكن والمسكون بغزة الصابرة المحتسبة، «غزة العزة» لا ريب، لكنها النازفة المنكوبة المكلومة.
في ستين دقيقة ليست كاسم ذلك البرنامج الإخباري الحواري في نسخته الأمريكية الأصلية هنا في «سي بي إس»، أو هنا في القلب في نسخته الأردنية عبر شاشة المؤسسة الأم التلفزيون الأردني. في ستين دقيقة يستردّ فلذات الأكباد في غزة هاشم ما بترته حرب السابع من اكتوبر وتداعياتها التي فاقت في كارثيتها نكبة 48 ونكسة 67 مجتمعتين.
لن أذكر بالاسم -ويشرفني من على هذا المنبر الكريم ذلك- لا اسم من عالج ولا من تمت معالجته، فالصورة أكبر وأكثر قداسة وأشد عبرة، في أن ما من مغيث لغرب الأردن المقدس كمن حمل اسمه وتسمّى باسمه وروحه ورسالته.
في رحلتي عبر حوار الأديان وهي إحدى رسائل الهواشم، تعلمت من إخوة مصريين أقباط معنى آخر لكلمة «قلّاية» وهي ذاتها التي تعر ف لدى إخوتنا اللبنانيين المسيحيين ب «المحبسة» هي تلك الصوامع التي يرفع فيها ذكر الله وينقطع عمل الراهب فيها عن كل شيء ما لم يكن تأملا في الذات والصفات الإلهية والربانية، والاقتداء بها في الأعمال الصالحة خدمة للناس وتقربا لرب الأرباب سبحانه.
هذه علومنا بفضل الله، لا نصنع إلا خيرا في أهله -وغير أهله أحيانا- لا ننتظر إقرارا ولا إحسانا، حتى إن كان رد الجميل إساءة، عذرنا وعفونا وصفحنا... سَمَوْنا ورددناها بإحسان. وأحلى قلّاية بقرن فلفل أخضر وآخر أحمر، لعيون من صعقهم الرد، لكل شنآن أبتر..