على هامش الانتخابات المقبلة

د. ماجد الخواجا

لا توجد أرقام دقيقة تماماً حول عديد المغتربين الأردنيين في دول العالم، لكنها تتراوح ما بين المليون ونصف المليون وأكثر من المليوني نسمة، وهذا رقم لا يستهان به حيث يشكل ما نسبته 15% - 20% من عديد السكان وقد تزيد عن ذلك بشكل كبير، إذا ما استثنينا السكان غير الأردنيين المتواجدين على أرض المملكة. إضافة إلى أن نسبة من يحق لهم الاقتراع من المغتربين أكبر بكثير من نسبتهم في داخل الأردن. هؤلاء يتوزعون على أكثر من 70 دولة في العالم، منهم 75% في دول الخليج، أي أن الغالبية العظمى تتواجد وتنحصر في ثلاث أو أربع دول عربية.

تشير إحصاءات لوزارة الخارجية لعام 2020 أن عدد المغتربين الأردنيين ( الأردنيون في الخارج من أفراد ورجال أعمال) يبلغ نحو مليون شخص موزعين على حوالي 70 دولة. يتواجد % 79.5 منهم في دول الخليج العربي و11 % في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، و4.3 % في أوروبا، والبقية يتوزعون على الدول الأخرى. ورغم التأثير المتوقع لهم، فإنّهم يبقون دون أي مشاركة في العملية الانتخابية أسوة بالكثير من مواطني دول عربية أخرى يقطنون خارج بلدانهم ويمارسون حقهم الدستوري ويشاركون في عملية صنع القرارات في بلدانهم عبر المجالس التشريعية: إما بالمشاركة في العملية الانتخابية عبر سفارات بلدهم مثل المصريين، أو تخصيص دوائر انتخابية خاصة بهم مثل المواطنين التونسيين.

اتصل بي صديق أردني يعمل في دولة خليجية، وألقى علي سؤالاً مباشراً: لماذا يتم حرمان مليون ونصف المليون من الأردنيين ممن يحملون الرقم الوطني من حق الاقتراع في الانتخابات، لماذا لا يكون لدينا آليات كما هو الحال مع دول مثل الهند وحتى بنغلاديش عبر استغلال التقنيات وما يدعى بالتصويت الإلكتروني عبر منصات وتطبيقات خاصة بالانتخابات. دون الحاجة إلى الذهاب للسفارات من أجل الانتخاب. لا يوجد في الدستور أو القانون نص يمنع أو يحرّم على المغتربين ممارسة حقهم الانتخابي.

الحقيقة أنني في تلك اللحظات لم أجد إجابة شافية على أسئلة الصديق وليد، ووعدته أن أنقل أسئلته للهيئة المستقلة للانتخابات، مع قيامي بالبحث عبر الإنترنت عن سبب حرمان المغتربين من حق الانتخاب.

حين طالعت تجارب دول العالم في ممارسة مواطنيها لحق الانتخاب ممن هم خارج حدود الدولة، تبين أنها ليست استثناء، بل تكاد تكون من صميم العملية والإجراءات الانتخابية في معظم الدول الأوروبية والأمريكية والآسيوية، فهي ممارسة من دول مثل كندا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والسويد وبريطانيا والمكسيك واستراليا والفلبين والهند والبرازيل والأرجنتين وإيطاليا والنرويج وكثير من الدول التي لها لاجئين خاصة تلك الدول الإفريقية ذات الكثافة من المهاجرين لدول أوروبا إضافة لدول مثل أفغانستان، كما أن هناك دولا عربية مارست وتمارس هذا الحق القانوني مثل العراق ولبنان والجزائر وتونس وغيرها، هناك من الدول من تحدد مركز الاقتراع في السفارات والقنصليات التابعة لها، فيما هناك من يمكن لمواطنيها ممارسة حق الانتخاب عبر البريد، ومع التقدم التكنولوجي بادرت عديد من الدول إلى استغلال التقنيات والتطبيقات الالكترونية في ممارسة ما يدعى « التصويت الإلكتروني» لا بل إن دولة بحجم الهند، حيث إن نتيجة الفرز لكل صندوق ودائرة انتخابية تتم فوراً وتظهر النتيجة على الشاشات أمام الجمهور ولا حاجة لتمضية أيام في الفرز وإعادة الفرز والتحقق من عمليات الجمع للأصوات.

أثناء مطالعتي لدليل التصويت من الخارج للمؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات فقد ظهر أن هناك عديد من الأساليب لممارسة حق الانتخاب، بل هناك دول قامت بتحديد مقاعد في الانتخابات للمغتربين بحسب نسبتهم من عديد السكان. فمثلاً دول مثل نيوزلندا وأستونيا وأستراليا، تتيح للمغتربين سحب استمرات التسجيل والاقتراع لجميع الانتخابات فيها سواء أكانت للرئاسة أم لمجلس النواب أم للبلديات المحلية، لكنها تشترط أن يتم التوقيع الشخصي الحي على الاستمارة وأن يتم إرسالها عبر البريد أو الفاكس لكي تعتمد ويتم التحقق من صحتها. نعم هناك تحديات جغرافية وديمغرافية تواجه القائمين على الانتخابات، فهل يمكن احتساب المغتربين كدائرة انتخابية واحدة بصرف النظر عن أماكن تواجدهم الجغرافي في الأردن أو الديمغرافي والاجتماعي؟ هل يتم الانتخاب حسب الدائرة التي يستقر فيها المغترب أم أنه يمارس حقه بالانتخاب كدائرة تشمل الوطن بأكمله؟.

إن كثيراً من الدول وضعت في قانونها الانتخابي الحق والإقرار بالتصويت للمغتربين، علماً أن كثيراً من تلك الدول لا يوجد لديها أعداد بحجم عديد المغتربين الأردنيين والذين جلّهم في ثلاث أو أربع دول، مما تسهل معه عملية ممارسة الحق الانتخابي لهم.