شرارة اشتعال فتيل الانتفاضة الفلسطينية الثالثة

كتب: عبدالله سرور الزعبي
 
قبل ثلالثة عقود تقريباً، وصل نتيناهو الى الحكم، وتحيداً في عام 1996، ومنذ ذلك التاريخ وهو الأكثر تشكيلاً للحكومات الإسرائيلية، ومع الزمن، اصبح متعمقا بالتطرف، ولا يؤمن بالسلام والرافض له مع الفلسطينيين بكافة اشكاله، مع عدم ايمانه بالحدود السياسية الحالية لدولة إسرائيل، بل انه يتحدث عن الحدود الامنية، تدعمه بذلك القيادات والحاخامات المتطرفين والمتحالفين معه، والعاملين على تقديم الفتاوى وإسقاط بعض ما ورد في التلمود على الوضع الجيوسياسي والصراع الدموي القائم حالياً. لقد سعى نتيناهو واعوانه خلال العقود الثلاثة الماضية الى قتل فكرة إقامة الدولة الفلسطينية عن طريق التوسع بالبؤر الاستيطانية في اراضي الضفة الغربية، الامر الذي رفع عدد المستوطنيين من حوالي 70,000 الى ما يزيد عن800,000 شخص خلال عقدين من الزمن، منهم 100,000 شخص مسلح، يمارسون الارهاب المسلح ضد سكان القرى والمدن الفلسطينية العزل.
لم تكتفي حكومات التطرف في اسرائيل مت التوسع بالستيطان، بل مارست أعمال القتل والاعتقال وإرهاب السكان بعمليات عسكرية متتالية خلال العقدين الاخرين، حيث بدأت بالدرع الواقي عام 2002، مروراً بعملية "قوس قزح" عام 2004، "أول الغيث" في 2005، و"أمطار الصيف والحديد البنفسجي" 2006 و "عمود السحاب و حارس الأسوار " عام 2012، وتكسير العظام في غزة في علم 2014 "نريد أن نكسر عظامهم دون وضعهم في المستشفى" (حسب تصريحات الجيش الاسرائيلي في ذلك الوقت)، والفجر الصادق في عام 2022، والعمليات المستمرة تحت مسمى عمليات جزّ العشب وهي الاستراتيجية القتالية الاسرائيلية ل ديفيد بن غوريون والقائمة على استخدام القوة لإضعاف القدرات العسكرية للخصم لكي لا يشكل تهديداً استراتيجياً على الدولة الاسرائيلية وابقاء التهديد الأمني في المستوى المقبول، وصولاً الى السيوف الحديدية في غزه عام 2023، والتي هي نوع من الانتقام لما كان يقوم به الفلسطنيين من احتكار لصناعة الحديد قبل الالف السنيين.
انه لمن الملاحظ ان اسماء العمليات العسكرية الاسرائيلية تحمل دللالات توراتية، وذلك بهدف اضفاء الطابع الديني عليها، واظهارها للعالم با الصراع ديني وليس صراع احتلال لارض شعب راغباً في العيش بسلام.
خلال ما يقرب من عام والحرب على غزة فلسطين مستمرة، حيث تم تدمير كل ما يمكن تدميره، واستشهاد عشرات الاف من ابناء الشعب الفلسطيني دون تحقيق النصر الذي كانت تحلم به حكومة نتيناهو، استمرت اعمال القتل للفلسطينين في مدن وقرى الضفة الغربية (التي ذهب ضحيتها ما يقارب 660 فلسطيناً وجرح ما لا يقل عن 6000 منهم وتم اعتقال حوالي 10,000 اخرين مع استمرار الاقتحامات من قبل المستوطنيين واستفزازات وزير الامن القومي الاسرائيلي واقتحامه لباحة المسجد الاقصى (وهو الفعل الذي سبق وان قام به شارون في عام 2000، وادى الى اندلاع الانتفاضة الفلسطينة الثانية)، داعيا أقامت كنيس مكانه(متناسيا كل القوانين والأعراف الدولية بحماية أماكن العبادة، ومتناسيا ايضا اتفاقية السلام مع الأردن وحق الوصاية الهاشمية التاريخية)، انتقلت العمليات الاسرائيلية الى مرحلة الاجتياح شبه الكامل للمخيمات الفلسطسينية، وتحيدياً مخيم جنين (انشئ في عام 1953، ويسكنه حوالي 15,000 نسمه، وهو صاحب النصيب الاكبر من الاقتحامات خلال العقود الماضية)، مخيم نور شمس (أنشئ في عام 1950، ويعيش فيه حوالي 8000 شخص)، ومخيم الفارعه (تأسس في عام 1949، ويسكنه حوالي 8000 نسمه)، ومخيم بلاطه (تأسس في عام 1950، وعدد سكانه 23حوالي ألف شخص) وغيرها من المخيمات التي تم تهجيرهم من المدن والقرى الفلسطينية في عام 1948.
ان العمليات العسكرية الاخيرة في مخيمات وقرى الضفة الغربية، بهذا الزخم (جاءت بعد ان اطمئنت اسرائيل الى ان حزب الله لن يقوم بفتح جبهة جديدة ضدها، هذا ما جاء في اعلان حزب الله بانه اكتفى بالرشقة الصاروخية)، كما وقد تكون التقت مصلحهم مع مصالح دول اخرى في المنطقة، الامر الذي فتح شهيتهم الى البدء بعمليات في الضفة الغربية، شبيهه في عمليات اجتياح قطاع غزه من حيث المحاصرة وتدمير البنى التحتية (طرق وخطوط المياه وقطع الكهرباء، وتدمير المنازل، وقد تمتد للمدارس والمستشفيات). ان مثل هذه العمليات لم تاتي من فراغ، فهي سياسية اسرائيلية تعمل عليها لتدمير مقومات الحياة، ودفع السكان الى المغادرة طواعية ( ان كان ذلك ممكناً).
ان هذا الامر لم تخفيه اسرائيل، حيث اعلن وزير خارجيتها يوم امس الموافق 28/8/2024 إن التهديد الماثل في الضفة الغربية ينبغي التعامل معه بالطريقة نفسها التي يتم التعامل بها مع التهديد في قطاع غزة، وبأنه يجب إجلاء المواطنين من المخيمات الى المدن والقرى، ان صدور مثل هذا التصريح عن راس هرم الدبلوماسية الاسرائيلية يعني ان الحلول الدبلوماسية مستبعدة في الوقت الحالي، وكذلك التصريحات الداعية إلى تهجير سكان الضفة، والقائلة، إنه يجب تنفيذ إجلاء مؤقت للسكان، والقيام بأي خطوات أخرى مطلوبة، مبررا ذلك بالقول إن "هذه حرب على كل شيء (يذكرنا بعقيدة حزقيال الداعية لقتل الجميع)وعلينا أن ننتصر فيها.
وهنا السؤال، هل هو تمهيداً لالغاء اي ذكرى تربط سكان هذه المخيمات بمدنهم وقراهم الاصلية والغاء التفكير بحق العودة (الذي ضمنه القانون الدولي).
ان العملية الاسرائيلية الاخيرة، جاءت لتحقق لحكومة نتيناهو عدداً من الاهداف، منها البحث عن نصرقبل الاعلان عن انتهاء الحرب في غزة (لم يعد هناك ما يمكن تدميره، ولم يتم القضاء على فصائل حماس)، واستمرارالردع بالترويع لرفع شعبية حكومة التطرف، واستقطاب مزيداً من ابناء الشعب الاسرائيلي الى اليمين المتطرف، لضمان استمرار الحكومة الاسرائيلية، ولفرض واقع امني جديد على الاراضي الفلسطينية،و لتسهيل اعمال الاستيطان المستمرة وضمان امن المستوطنين، ومن الممكن ان يكون ايضاً نفيذأً على ارض الواقع لانهاء دور السلطة الفلسطينية في الضفة والتي قامت كنتيجة لاتفاقية اوسلو (وهل فعلاً، ان هذه الاتفاقية تمنع الفلسطينين من حق تقديم اي دعوى جنائية ضد الانتهاكات الاسرائيلية لاراضي السلطة؟ كما يتحدث البعض من الإسرائيليين؟)
في جميع الاحوال، ان العملية الاسرائيلية تحمل مؤشرات مختلفة عن سابقاتها، التي نفذت خلال العقود الماضية ومن المحتمل ان لا تتوقف عند المخيمات المقامة للنازحين من عام 1948، بل ستطال المدن والقرى الفلسطينة الاخرى كما حصل في غزة. الامر الذي سيؤدي الى اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة ستؤدي إلى انهيار لمنظومة الامنية في المنطقة، وهذا ما سبق ان حذر منه جلالة الملك دول العالم الكبرى.
ومع كل التحذيرات نجد، ان اسرائيل تسعى الى تنفيذ مخططها بالكامل بالانتهاء من معضلة حل الدولتين،متستغلة بشكل جيد، الاوضاع الجيوسياسية العالمية، وخاصة في السنوات الاخيرة لمرور الدول العالمية الكبرى بازمات حولت انتباهها عن القضية الفلسطيننية، ومع تفكك منظومة العولمة التي سادت لعددة عقود وتكتل الاقاليم العالمية لخدمة وحماية مصالحها وضعف السلطة الفلسطينية ووصوله الى ادنى مستوى وغياب موقف عربي موحد اتجاه ما يجري في الاراضي الفلسطينية، جعلت الاسرائيليون يتناسوا بان المقاومة الفلسطينية ستستمر وستعمل على استنزاف الدولة الاسرائيلية، وان كل هذا سيؤدي إلى نتائج كارثية، وأزمات اقليمية ودولية، قد يجعلها تمر باخطر مرحلة من مراحل وجودها.
ومع كل ذلك، فقد سبق للأردن وبقيادته الحكيمة والقادرة على استشراف المستقبل، أن حذر من خطورة تطرف الحكومة الاسرائيلية وعمل على مواجهته بكل الطرق المتاحة، وبين للعالم مدى خطورتها على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعلى الأماكن المقدسة في القدس الشريف وعلى شعوب المنطقة كافة، وبينت القيادة الأردنية بأن أمن وسلام المنطقة والعالم مهددان، وهذا الذي أثبتته وتثبته الأحداث المتسارعة للعالم بأن القيادة الهاشمية كانت محقة في كل تحذيراتها خلال السنوات السابقة، والتي كانت تراها وتستشرفها دون غيرها من قيادات العالم. لقد حان الوقت لقادة دول العالم الكبرى للاخذ برأي القيادة الأردنية وكبح جنون الحكومة الإسرائيلية المستمرة بارتكاب المجازر الواحدة تلو الأخرى ووقفها عن سياسة التدمير والتهجير الممنهجة.
ان الأردن، يعي جيد المخطط الإسرائيلي الهادف لتهجير الفلسطينيين من ارضهم، ولديه الخبرة في ذلك، كما انه يعلم بان هذه المرحلة تعتبر الأخطر على القضية الفلسطينية وعلى الأردن وامن المنطقة بالكامل، وعليه فانه مطلوب منا جميعا (الأردنيين) ان نثق بحكمة الملك وان نعمل على تنفيذ الرؤى الملكية في اصلاح المنظومة السياسية (وخاصة اننا في خضم اجراء انتخابات نيابية، ترسم لنا افاق جديدة من مرحلة الاصلاح المنشود على الساحة الوطنية) وكذلك الرؤى الاقتصادية وان نكون جميعاً السند القوي للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، كي يبقى الأردن قويا منيعا، مدافعاً عن الحق الفلسطيني والسند القوي لشعبه حتى يتمكن من الحصول على حقوقه وإقامة دولته على أرضه في الضفة الغربية وغزة وفقا لقرارات الشرعية الدولية، والتي رغم كل ما يجري نراها قريبة جدا.