حين يموت الأب
د. ماجد الخواجا
28 / 08 / 1980 ميلادية يقولون إنه عندما يموت الأب نكبر فجأة بل نشيخ هكذا وإن كنا نحبو في أحلام الطفولة.
قد تبدو كلماتي غارقة في النرجسية، إلا أنها تفيض معاناة إنسانية تحتمل أن يتمثلها كل إنسان.
في زمن أصبحت « الأنامالية « هي السائدة بين البشر، تكاد مفاهيم العائلة والأقارب تندثر في ظل عولمة جعلت بإمكاننا أن نتواصل مع أي فرد أو مجتمع وفي أي مكان وأي زمان، لكن بذات اللحظة ننعزل وننغلق على ذواتنا لتتكثف وتختزل في جهاز بحجم كف اليد.
زمن تحجرت فيه العواطف وتكلست المشاعر وتبلدت الأحاسيس نتيجة السعار والتهافت على جني أي عائد بأية طريقة وبأسرع وأسهل ما يمكن.
ليس استجرارا ولا استذكارا لما مضى في مثل هذه الليلة قبل ألف ليلة وليلة...
كان أبي يبحث عن حلم يريد له أن يكتمل بنا...
كان شابا في عمره وبدنه وعقله ومشاعره...
أتذكر ليلتها أنه تناول حبات التين والعنب...
كانت نهاية شهر آب أوان العنب والتين..
نام...
لم يفكر أن يقول وداعا...
كان صباحا جعلني أنا ابن الخمسة عشر عاما أكبر فجأة لأصير طاعنا في الحياة...
يقول من يعرفني أن عيناي تفضحني في يتم وحزن مقيمين فيهما منذ أول الزمان.
لم أستطع أن أدخل البيت دون أن أحمل العنب والتين.
كانا آخر ما تذوقه أبي من الحياة...
كأنه شعور خفي يريد أن يقول لي :
« رب اجعلنا ممن هديت واصطفيت وباركت وأنعمت وتفضلت وتكرمت وتلطفت عليهم»
اللهم ارحم واغفر واصفح وتجاوز وأدخلهم جناتك...
كل الفرح أنثره على ضريحك أبي ...
كل الحب يعبق معانقا روحك...
كل ما أنا فيه لك وحدك ...
أنا بضعتك التي عاشت عمرا أطول مما عشته أنت...
لكن ما أن ترد في الخاطر الذي لم تغادره بالأساس....
أرتد ذاك الطفل اليتيم الذي ما شعر بفقدان الأم كما شعر بفقدانك...
وماتت أمي الصبية..
كأنني كنت ذا أربع سنين...
الله كيف لطفل أن يعيش حرمانين...
كل الفرح لكم أحبتي جميعا...
أربعة وأربعون عاما وأزداد افتقادا.