السنوار النصر أو الشهادة
إسماعيل الشريف
إذا استمر العدو في عدوانه، سنحول حياة مستوطنيه إلى جحيم-يحيى السنوار.
أنا قارئ نهم للروايات العربية، وتشكّلت لديّ صورة ذهنية عن كتّابها بأنهم رومانسيون حالمون، تفيض أرواحهم بالعواطف والمشاعر. لذلك، أجد نفسي في حالة من الحيرة والدهشة عندما أكتشف أن من بين أفضل كتّاب الروايات أطباء؛ فأي تناقضٍ هذا بين يدٍ تحمل مشرطًا تقطع اللحم ببرود وجفاء، وأخرى تكتب بمشاعر جياشة وحسّ مرهف؟ وكيف ليحيى السنوار، ذلك المقاتل الصلب الشرس الذي لا يعرف اللين، أن يبدع في كتابة واحدة من أعمق الروايات في أدب السجون: «الشوك والقرنفل»؟.
سعى نتن ياهو من وراء اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران إلى تحقيق أهداف عديدة، أبرزها جرّ الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية لتدمير كل أعداء الكيان الصهيوني، وإعادة فرض هيبة الردع، وتحسين صورته الداخلية. لكنه أخطأ في بعض من حساباته؛ فلم يتوقع أن يكون خليفة هنية عدوه الأول، يحيى السنوار، أو أن يؤدي ضغطه على حماس باغتيال هنية إلى استسلامها لشروطه. يحلم نتن ياهو أن يُنظر إليه كتشرتشل المنقذ، لكنه نسي تحذير ونستون: إن الغرور السياسي قد يكون مدمرًا، لأنه يدفع صاحبه للاعتقاد بأنه لا يُخطئ، مما يؤدي به في النهاية إلى الهلاك.
لكن بوصول يحيى السنوار إلى قيادة حماس، تغيّرت قواعد اللعبة تمامًا. باتت عناوين المرحلة المقبلة تدور حول عمليات في العمق الصهيوني، واغتيالات سياسية، وتدمير البنية التحتية، وإشعال الضفة الغربية، واستهداف الساسة الصهاينة، ودفع المنطقة نحو حرب إقليمية شاملة.
ولم يعد السياسي إسماعيل هنية موجودًا لممارسة الضغط على السنوار، ولا ضغوط الولايات المتحدة التي تصب في مصلحة الكيان الصهيوني أو المفاوضين للقبول بأنصاف الحلول. اليوم، السنوار هو صاحب القرار الأول والأخير. ويعلن بوضوح: «إذا أردتم صفقة، فهناك شرط واحد غير قابل للنقاش: انسحاب الصهاينة من قطاع غزة. اقبلوا به أو اتركوه.» بلغة رعاة البقر التي لا يفهمها سوى الأمريكان.
يرد الكيان المحتل على ذلك بارتكاب مزيد من المجازر بحق المدنيين، معتقدًا أن سفك المزيد من دماء الأطفال سيضغط على السنوار للقبول بحلول وسط. يُضاف إلى ذلك التسويف الذي تمارسه الولايات المتحدة، في محاولة لكسب الوقت لتفكيك الأزمة التي تسبب بها نتن ياهو، وسط ضعف واضح من الإدارة الأمريكية في التعامل مع الإبادة الجماعية المستمرة في غزة.
يدرك السنوار أن وقف إطلاق النار بشروط الصهاينة والأمريكان يصب في مصلحتهم، ورغم ما يظهره قادة الكيان من ثقة بالنفس وغرور وتهديدات، إلا أن دولة الصهاينة تعيش في فوضى عارمة. فالهجرة العكسية في ذروتها، والعزلة الدولية تتفاقم وسط سخط الرأي العام والكراهية المتزايدة، بينما تعصف الأزمة الاقتصادية بالبلاد. ولولا الشيكات والسلاح الأمريكي، لتفككت «الدويلة».
كما أربك وصول السنوار إلى قيادة حماس جميع الأطراف العربية والإقليمية التي تسعى إلى وقف إطلاق النار، حقنًا للدماء الفلسطينية ومنعًا لتدهور الأوضاع نحو حرب إقليمية. وقد أضعف ذلك من أدوار عدة دول، وعلى رأسها تركيا، حيث تربط السنوار علاقات قوية مع إيران وحزب الله، بعيدًا عن تركيا التي فقدت دورها تمامًا في الملف الفلسطيني. وفي محاولة لإظهار حضورها، قامت تركيا بدعوة الرئيس محمود عباس إلى البرلمان التركي، في إشارة منها إلى أنها لا تزال جزءًا من المشهد.
حتى الآن، تشير جميع الإشارات التي يرسلها السنوار إلى أن حماس مستعدة لخوض حرب استنزاف طويلة، بل تفضل دفع المنطقة نحو حرب إقليمية، وليكن ما يكون؛ إما النصر أو الشهادة.
فلا يفل الحديد إلا الحديد!