شرط نجاح هاريس
إسماعيل الشريف
سأدافع دائمًا عن حق «إسرائيل» في الدفاع عن نفسها- كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي والمرشحة لانتخابات الرئاسة عن الحزب الديمقراطي.
تتقدم كامالا هاريس على دونالد ترامب في استطلاعات الرأي بفارق يقع ضمن هامش الخطأ، مما يعني أن فرص المرشحين متساوية تقريبًا حتى الآن. وقد انسحب المرشح المستقل روبرت كينيدي، الذي يحظى بخمسة بالمئة من أصوات الناخبين وفقًا لاستطلاعات الرأي، لصالح ترامب، مما يعزز فرص الأخير في الفوز برئاسة الولايات المتحدة.
لن تتمكن كامالا من الفوز بالانتخابات دون دعم العرب والمسلمين واليساريين، الذين يطالبون بوقفٍ لإطلاق النار في غزة كشرط للتصويت لصالحها.
ترسل كامالا إشارات متضاربة لهذا الجمهور؛ فتارةً يتحدث مستشاروها للإعلام بأنها تعمل «بلا كلل أو ملل» من أجل وقف إطلاق النار، وتارةً أخرى يؤكدون أن دعمها للكيان هو دعم مطلق، وأنها لن تمارس أي ضغوط على الكيان عبر تجميد المساعدات العسكرية لوقف الحرب، بل ستعتمد فقط على الدبلوماسية، كما فعل سلفها بايدن. وبالتالي، فإن نائبة الرئيس الحالية والمرشحة للرئاسة لا تعمل بلا كلل كما يدعي مستشاروها لوقف المجزرة.
ما يؤكد هذا الادعاء هو أن مؤتمر الحزب الديمقراطي، الذي عُقد في شيكاغو الأسبوع الماضي وأسفر عن ترشيح كامالا للانتخابات الرئاسية القادمة، قد أصدر برنامجاً وبياناً يُعدّ الأكثر دعماً للكيان الصهيوني منذ تأسيسه، متفوقاً بذلك على جميع بيانات الحزب الجمهوري. فأشاد ببايدن لتزويده الكيان بالسلاح بشكل مستمر، ولتصديه للحوثيين في اليمن، وتحييده للضربات الإيرانية. كما لم يُسمح لأي شخص داخل أروقة المؤتمر أو على المنصة بالتعبير عن دعمه للفلسطينيين. بل وأكثر من ذلك، هاجموا ترامب لعدم خوضه حرباً مع إيران عندما استُهدفت القواعد العسكرية الأمريكية في العراق أثناء فترة حكمه، كما رفضوا الدخول في أي اتفاق نووي مستقبلي مع إيران.
وللتغلب على تقاعس كامالا في اتخاذ موقف حازم لوقف الحرب، عملت الآلة الإعلامية الأمريكية الموالية للحزب الديمقراطي على تضليل الجمهور من خلال التركيز المستمر على فصل السياسات الداخلية عن السياسات الخارجية عند تقييم أي مرشح، والترويج لفكرة أن الموضوعين لا يرتبطان ببعضهما البعض. فبإمكان المرشح أن تكون سياساته الداخلية ممتازة، ديمقراطية، وإنسانية، بينما تكون سياساته الخارجية دموية، تدعم الإبادة الجماعية، وكأن الأمرين منفصلان تمامًا.
ذكرني هذا بشخصية «سي السيد» المتناقضة في ثلاثية نجيب محفوظ، حيث كان سي السيد شديد الصرامة والسلطة داخل بيته، مما جعل أهل بيته يعيشون في خوف واحترام شديدين له. أما خارج البيت، فكان يظهر بشخصية مغايرة تمامًا: مرحًا، بشوشًا، ومتساهلًا، يستمتع بالحياة، ويقضي وقتًا طويلًا في الحفلات والمقاهي، منغمسًا في ملذاتها. ومع مرور الوقت، بدأ الأبناء يتحدون سلطة أبيهم، وتلاشت هيبته مع تطور الأحداث. وبالفعل، بدأ الشعب الأمريكي يرفض سياسات بلاده، فالاحتجاجات تجوب شوارع الولايات المتحدة. لذا، فإن فكرة فصل السياسة الداخلية عن السياسة الخارجية أصبحت نقاشًا منافقًا وقذرًا بدأ يظهر فشله.
إذا أرادت كامالا هاريس الفوز في الانتخابات الأمريكية، فعليها أن تبدأ بفصل نفسها عن الرئيس الحالي وأن تعلن بشكل صريح أنها ستستخدم كل نفوذها لوقف الحرب وحماية سكان الضفة الغربية من هجمات المستوطنين. وإلا، فإن ترامب سيكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة.