د.الكيلاني يكتب..انخفاض نسب المشاركة في الانتخابات و "المال السياسي"
د. زيد روحي الكيلاني
إن انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات في الدائرة الثانية، التي كانت تاريخياً تضم الدائرة الثالثة، يمثل ظاهرة متكررة لا يمكن تجاهلها. وعلى الرغم من أن التوزيع الجديد للدوائر قد يساهم في تحسين طفيف في الأرقام، إلا أن المشاركة حسب التوقعات واستطلاعات الرأي ستظل منخفضة. هذه الظاهرة تعكس حالة من اللامبالاة السياسية وفقدان الثقة، وهي نتيجة متوقعة تعكس حجم عدم الرضا عن أداء البرلمان على مر السنوات.
من الضروري أن ندرك أن هذه العملية التاريخية بشكلها المشوه أصبحت جزءاً من منظومة لا يستهان بها، عابرة للمؤسسات، هدفها تشكيل واقعنا الذي نعيشه اليوم، وستدفع ثمنه الأجيال القادمة. إن الإحباط الذي يشعر به المواطنون ليس مجرد نتيجة طبيعية، بل هو الهدف الذي يسعى إليه أولئك الذين يرغبون في الحفاظ على الوضع الراهن. إنهم يسعون إلى تهميش الأغلبية الصامتة من خلال دفعهم نحو العزوف عن المشاركة.
لكن هناك عنصر آخر لا يمكن تجاهله عند مناقشة انخفاض نسبة المشاركة: المال السياسي . إن ظاهرة المال السياسي و "الإبداع" في إعادة انتاجه بأشكال مختلفة ليس مجرد فساد أخلاقي، بل هي أداة لتثبيت الوضع الراهن. فالذين يلجأون للمال السياسي غالباً ما يكونون جزءاً من منظومة تسعى إلى الحفاظ على الامتيازات والمصالح التي تخدم فئة معينة على حساب الأغلبية، فشراء الأصوات يساهم في تقويض الشرعية الديمقراطية ويُضعف من نزاهة العملية الانتخابية، مما يؤدي إلى نتائج مشوهة لا تعكس الإرادة الحقيقية للناخبين.
أؤمن أن الأغلبية الصامتة، التي قد يكون جزء منها مستهدف الآن من قبل حملات المال السياسي، تحمل القوة الحقيقية للتغيير. التغيير الحقيقي برأيي لا يكمن في الابتعاد عن المشاركة، بل في التوجه نحو صناديق الاقتراع واختيار الأفضل أو الأقرب لمن يمثل صوتنا. وأنا أدرك أن هناك فئات مهمة تحتاج إلى أن تكون ممثلة بشكل عادل في منظومتنا السياسية البرلمانية، بما في ذلك الشباب، والنساء، والأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم؛ فئات تعاني من التهميش المزدوج بسبب نقص التمثيل وغياب الاهتمام بقضاياهم.
عندما تكون نسبة المشاركة في دائرتنا 15-20% فقط، فهذا يعني أن 80-85% لم يصوتوا، وهم الأغلبية الساحقة. لا أرضى على نفسي ولا يجب أن نرضى على أنفسنا تصنيفنا كأغلبية صامتة و القبول أن نكون "ضحايا" للذين يسعون لإسكاتنا و إشعارنا بأننا مواطنون منسلخون عن تشكيل واقعنا ومستقبلنا. علينا أن نتذكر أن المشاركة في الانتخابات ليست مجرد واجب وطني، بل هي أداة لمقاومة الوضع الراهن الذي نريد تغييره وإسماع صوتنا. إن هذه الانتخابات تمثل فرصة لتحدي الوضع الراهن، وإعادة بناء الثقة في منظومتنا السياسية البرلمانية، والمطالبة بالشرعية الحقيقية من خلال صندوق الاقتراع.
لكل من يشعر بأن صوته لا يُسمع، ولكل من يعتقد أن الانتخابات لن تغير شيئاً، أقول: إن مشاركتكم هي المفتاح لتغيير النتائج. المستقبل بين أيديكم، ولا يمكن تحقيقه إلا بمشاركتكم الفعالة. دعونا نتحد جميعاً، شباباً وشابات، رجالاً ونساء، لنثبت أن صوتنا أقوى من كل محاولات التهميش والفساد.