‏الدولة الأردنية تتصرف بهدوء وحساباتها مدروسة

حسين الرواشدة

‏تتحرك الدولة الأردنية على قاعدة استشعار (نتنياهو يطمح لتوسيع الحرب) وفق مسارات متعددة، وخيارات مفتوحة، الأردن لن يقبل أن يكون رهينة لما يفكر به إليه اليمين الإسرائيلي المتطرف، واشنطن ليست في أفضل حالاتها لردع تل أبيب ومنعها من الاستمرار بالحرب، معظم الدول الأوروبية فتحت أعينها على الكارثة في غزة، وبدأت باتخاذ بعض الخطوات لدعم جهود وقف إطلاق النار. هل يكفي ذلك؟ بالطبع لا، هل تسير المنطقة نحو حرب شاملة؟ ربما، إذا لم تحدث المعجزة. 

 ‏لا يريد الأردن أن تقع المنطقة في «فخ» نتنياهو، ولا يفكر أن يكون طرفا في الحرب، كما أنه لم يتفاجأ بجردة نتائجها واستحقاقاتها، ولديه ما يلزم من أوراق وخطط لمواجهة تداعياتها في حدود الحفاظ على المصالح العليا للدولة، في هذا الإطار ذهب وزير الخارجية إلى ايران، الرسالة كانت واضحة باتجاهين : لن نسمح لأحد باختراق أجوائنا، وعمان تقبل بعلاقه احترام متبادل مع طهران في سياق إنقاذ المنطقة من الدمار، وبناء مستقبل أفضل قائم على التعاون المشترك، وفي الإطار ذاته بدأ الأردن بإعداد ما يلزم من خطط لمرافعات قانونية أمام المحاكم الدولية للرد على انتهاكات الاحتلال تجاه المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وفلسطين، وقد وكانت لنا سابقة في ذلك.

 ‏ تتعامل الدولة الأردنية مع الحرب وتطوراتها بهدوء وبدون انفعال، صحيح الأشهر الثلاثة القادمة تبدو ثقيلة ومزدحمة بالمفاجآت، صحيح، ايضاً، فوز ترامب (إن حصل) سيقلب المعادلات نحو الأسوأ في المنطقة، وربما العالم، صحيح، ثالثا، اهداف إسرائيل في غزة انتهت نسبيا ولم يتحقق النصر الكامل الذي تريده، وبالتالي فإن طريقها إليه يمر عبر طهران، أو احد اذرعها (حزب الله تحديدا )، صحيح، رابعا، الهجمة الإسرائيلية على الأردن تتصاعد، ربما تقع في دائرة محاولة الاستفزاز، او تسديد فواتير المواقف، الأردن يتوقع ذلك، ويتحسب له تماما.

 ‏ بموازاة ذلك، ليس صحيحا، أبدا، أن الدولة الأردنية اكتشفت، الآن فقط، المخاطر التي تهددها جراء هذه الحرب ثم أنها تحركت لاستدراكها أو مواجهتها، وكأنها كانت غائبة عن المشهد، ليس صحيحا، أيضا، أن دعوات عقلنة الخطاب ورفض تقمص الحرب والوقوع في مصيدة الانفعال جاءت من موقع الإنكار للمخاطر أو التهوين منها، على العكس تماما، قاعدة مصالح (الأردن أولا) هي المعادلة التي ارتكزت عليها هذه الدعوات منذ 7 أكتوبر وحتى الآن،  ولا تغيير على هذه المعادلة.

 ‏لكي لا يذهب بعض الذين ركبوا موجة الحرب، من منابر صحف النضال المغشوش، والفنادق والانتخابات، في تحليلاتهم وتخيلاتهم، حول ما فعله الأردن، وما يفكر به من ردود للدفاع عن مصالحه وأمنه الوطني، لابد من التذكير بأن بلدنا قدّم، ولا يزال، كل ما لديه من امكانيات لوقف الحرب ودعم أهلنا في غزة، وأن أي خطوات لاحقة يقوم بها تصب في الدفاع عن الأردن، وجودا وحدودا، نحن لسنا سلطة ولا فصيل مقاومة ولا ساحة حرب، كما أن خياراتنا لمواجهة أي تهديد من أي مصدر كان مفتوحة، وستبقى كذلك، تم الإعلان عنها منذ بداية الحرب، الذهاب إلى طهران، وربما أبعد من ذلك، يأتي في سياق هذه الخيارات. 

 الأردن يتصرف بمنطق الدولة وليس التنظيم، وهو يدرك تماما أن حساباته مدروسة، وأنها تصب في مربع (حماية الأردن)، ولا علاقة لها بأي حسابات أخرى تتقصد جره إلى صراعات نفوذ، أو تقاسم أدوار، أو حروب مجهولة الأسباب والنتائج أيضا. هذه الرسالة يجب أن تصل للجميع.