حصاد ما قبل «الدروس الخصوصية»!
بشار جرار
أشبعت السينما والمسلسلات المصرية، أو لعلها أوسعت ظاهرة تفشي الدروس الخاصة انتقادا بعد أن صارت تحصيلا حاصلا بكل ما فيها من أعباء إضافية مالية على الوالدين، وإقحامها في عالم التفاخر قبل الابتلاء بانتقال ذلك المرض الاجتماعي من المقاهي والصالونات إلى منصات التواصل (التفاخر) الاجتماعي، الأمر الذي بلغ حد التنمّر ليس بحق الطلبة فقط، بل والمعلمين والأهالي أيضا.
بدأنا قبل أيام على بركة الله عاما دراسيا جديدا، وقد بدأ بالنسبة للمقاطعة التي أسكن فيها بضواحي واشنطن بفارق يوم واحد عن بدء العام الدراسي في الأردن. لاعتبارات تتعلق بأمور عدة منها تخفيف الضغط على الأسواق والبنى التحتية من بينها المتعلقة بحركة المرور، تتفاوت روزنامة العام الدراسي في المدارس الأمريكية بحسب مقاطعات حتى الولاية الواحدة. لكن التجار لا يعدمون حيلة، فيكرسون أسبوعا وأكثر لبيع اللوازم المدرسية رغم توفيرها مجانا كمخصصات فدرالية أم محلية، أو تبرعات أهلية في المدارس الحكومية أو على نحو أدق العمومية. الفارق كبير بين ما يعنيه الإشراف الحكومي المباشر أو غير المباشر أو دور القطاع العام «الأهلي» غير الرسمي وغير الحكومي والذي يتم انتخابه دوريا وباقتراع سري تماما كما يتم انتخاب ساكني الوظائف كلها من ضمنها ساكن البيت الأبيض، رئيس الولايات المتحدة والقائد الأعلى للقوات المسلحة في أمريكا.
للدروس الخاصة أو التقوية وجود من نوع خاص في المدارس العمومية وهو عمل تطوعي تبادر إليه الهيئة التعليمية بالتنسيق مع أولياء أمور الطلبة أنفسهم مجانا، خلال أو بعد الدوام المدرسي، حتى المواصلات يتم تأمينها بشكل أو بآخر في حال الضرورة الصحية أو الاجتماعية-الاقتصادية. لا يستسيغ أحد تحويل إحدى أقدس المهن إلى تجارة وإن كان من حق القائمين عليها ومن واجبهم مراعاة المبادئ الاقتصادية حرصا على تميز العمليتين التربوية والتعليمية.
وقد عشت تجارب التربية والتعليم طالبا وأبا في بلاد العم سام، وما زلت أحار في لجوء البعض إلى خيار التعليم الخصوصي إلا في حالات اضطرار ينبغي أن تبقى استثنائية ومبرمجة، ففوائد إدامة الخصوصية بين أضلاع المثلث الذهبي الطلبة وأهاليهم ومعلميهم، فوائد جمة ومعظمها لا تدرك إلا مع مرور الزمن واختمار التجربة ونضج الخبرة.
هي عملية تفاعلية، تربية أولا ومن ثم التعليم. والمسؤولية فيها، تقع في المقام الأول على عاتق المربية الأولى الأم، والمعلم الأول الأب، شاء من شاء وأبى من أبى من دعاة النظريات الموسمية! لا يحق لأي كان مزاحمتهما على هذا الدور تحت أي ذريعة كانت، ما لم يتحقق ما ينفي عنهما أو عن أحدهما منزلة الأمومة والأبوة.
ولأنها تفاعلية سيدرك الأهالي، أولياء الأمور، قلبا وقالبا، أنهم أيضا تعلموا الكثير من تلك الساعات، الدقائق التي شاركوا فيها فلذات الأكباد «الواجب» المدرسي أو «الفروض» كما في بعض اللهجات الشامية. من عظمة الثقافة العسكرية استخدام كلمات محفورة في الوجدان منها أداء «الوظيفة» والقيام ب «الواجب»، حيث لمعاني الانضباط والقيادة القدرة الحقيقية والمستدامة على تنفيذ المهام بنجاح حيث من غير المقبول أن يكون بأقل من التام والكامل.
ما هي إلا لمحة بصر ويتخرج طلبتنا من المدارس والجامعات والمعاهد، وتكون أغلى الذكريات هي تلك اللحظات التي درسنا فيها معا على مائدة أو «طبلية» أو على بساط أحمديّ -خيش أو جاعد- أو على الأرض في الحوش أو أمام المصطبة. لا فرق ما دام الدرس الأول هو: زَرَعَ - حَصَدَ ..