اصنعوا للمناقيص طعامًا !!
محمد داودية
أولينا الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري اهتمامًا كبيرًا، وأهملنا الإصلاح الاجتماعي، الذي يُحسِّن ظروفَ عيشنا في بلادنا الحبيبة، ويوفر جهدًا كبيرًا ومالًا يقدر بمئات الملايين.
طقوس التعازي تشكل مقطعًا عرضيًا لمشكلة، لم نكترث بتشذيبها، لتكون على مقاس الظروف والمتغيرات والتطورات الحاصلة في العالم وعندنا.
ما فاتنا من إرساء تقاليد إيجابية جديدة، تتناسب مع الجديد الإيجابي، يمكن تعويضه بواسطة قوة الإعلام والمعلمين وأساتذة الجامعات وقادة الرأي والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والكُتاب والمسرحيين والفنانين وخطباء المساجد والكنائس والجمعيات والأندية والقدوات.
معلوم ان الظروف الاقتصادية والبيئية، تملي عاداتِها وسلوكَها ولباسَها وطعامَها وأخلاقَها وإِنْفاقَها.
غطاء الرأس، العقال والشماغ والحطة والقضاضة كان مفروضًا على الذكور البالغين، ولم يكن مطلوبًا من النساء. فكان يقال لمن يتعرض للبهدلة «فرّعوه الرجال». وكان لقب «المفرّع» يطلق على الهامل.
قلما نرى اليوم من يغطي رأسه من الرجال.
على العموم، الوضع جيد، والناس ترمي عن اكتافها أحمال البدع، وأثقال العادات الغريبة الغاربة، وتتخفف من ثقافة المراءاة، وتتكيف، وتصبح أكثر واقعية في تعاطيها مع تكاليف التعزية غير اللازمة.
المفرح أن اتفاق شعبنا شبه كامل، على أنها عادات ضارة لا تتناسب مع ظروفنا التي تستدعي التقشف والتعفف وحكمة التصرف.
للتذكير، أهلنا في أكثر من بلدة، وقّعوا اتفاقيات التزموا بها، تعفي أهل المتوفى من تقديم الطعام للمعزين، وبدل ذلك، يقدم أهل البلدة الطعام لأهل المتوفى.
نتوقع من أبنائنا المغتربين أن يكونوا في طليعة الإصلاح الاجتماعي، وان لا يحملوا معهم بدع التعازي الثقيلة.
أصبح الحضور الشخصي الفيزيائي إلى بيوت العزاء متعبًا ومكلفًا وثقيلًا، خاصة على البعيدين جغرافيًا. وأصبحت التعزية بالاتصا ل الهاتفي وعلى منصات التواصل الاجتماعي، مقبولة.
لقد تم دفن آلاف المواطنين، بغياب الأبناء والبنات والآباء والأمهات والأشقاء والشقيقات، فلماذا نبيح غياب الخاصة الدانين الأقربين، في حالات محددة مقبولة، وهم الذين تعجزهم ظروفهم عن حضور الدفن والعزاء، ولا نبيح ذلك للأبعدين ؟!
قال النبي لأصحابه حين استشهد جعفر بن أبي طالب في معركة مؤتة: «اصنعوا لآل جعفر طعامًا، فقد أتاهم أمرٌ يشغلهم».