عمان في العقد الثاني.. حكمة القيادة ومحبة الشعب
محمود كريشان
عمّان.. دوما وابدا.. قصة عشق يتناغم فيها، بإستثنائية جميلة، الزمان والمكان والسكّان.. المدينة التي تتمتع بروح متيقّظة، تحرس أبناءها وتحميهم من غدر الشرور.. هذه الصبية الفاتنة، نمت وتطوّرت لتكون على الدوام، في كل زاوية وزقاق، مصدر جذب والهام للفن والإبداع.
عمّان وكما ورد في كتاب «عمان حكاية الناس والتلال.. عمان .. مسيرة انجاز ترسخ المدينة العصرية» الصادر عن أمانة عمان الكبرى، بأن عمان كما ذات الجاذبية الخارقة، يتنقل فيها الزمان بكل يسر واطمئنان بين العريق والحديث، في سيمفونية من الجمال تعزف الطبيعة العمّانية كما تحب الطبيعة أن تكون.. ولعمّان حكايتها مع مواطنيها، تتعدد فصولها بتعدد ألوانهم، وتمتاز ببصماتهم العريقة التي تشد إنتباه الفنانين وتربكهم أحيانا، وتغريهم، في الآن نفسه، بالوصول إلى السمو الإبداعي الذي طالما تاقوا إليه.
التحدّيات الاقتصادية والاستثمارية في العقد الثاني لم تكن وحدها في السّاحة، فالمنطقة العربية دخلت في أكبر تحدّ شهِدته في العقود الماضية على وقع احتجاجات شعبيّة ضخمة لم تستثن أي بلد عربي بدءاً من تونس، وامتداداً إلى مصر وكل بلاد العرب، في عامي 2011 و 2012 كانت عمّان على أكثر من موعد مع التظاهرات السياسية والاجتماعية الكبيرة في ساحاتها وميادينها، ومع أن هذه الأحداث قد رفعت حِس التوتر عند العمّانيين الذين تعودوا على الحياة في مدينة آمنة مستقرة، إلا أن الحِكمة الأردنية لدى القيادة السياسية والشارع، مكّنت الأردن وعاصمته من المرور بأمان من تلك الفترة القلقة وظلّت المملكة ومدينتها الأكبر مثالاً واضحاً للاستقرار والأمْن والعيش المُشترك في محيط يموج بالعُنف والصراعات.
عمّان التي ستدخل العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين بما يُقارب الخمسة ملايين من السكّان، أصبحت أمام تحدّ جديد، ألا وهو تحدي النقل والحركة، وهو تحدّ تواجهه كل المدن المليونية ذات النمو السريع. يتذكر أهل عمّان، ممّن عاشوا في العقود الأخيرة من القرن العشرين، مدينة يسهل فيها الانتقال بالسيارة بين أحياءها، لكن النمو المطّرد في أعداد السيارات مع دخول عمّان القرن الواحد والعشرين أدى إلى زيادة الاختناقات المرورية، وأصبحت أزمات السير سِمة يومية من حياة العمّانيين.
وقد انتبهت أمانة عمّان الكبرى إلى هذا التحدي وشرعت في وضع خطة للنقل العام الحديث عام 2009 ، كجزء من التخطيط المديني، لعلّ أبرز معالمها وضع نظام لباصات التردد السريع التي تسير على مسارب خاصة، والتي ارتأى خُبراء النقل في أمانة عمّان أنه الحل الأمثل لتمكين سكّانها من التنقل بسرعة عبر مناطق عمّان الشاسعة.
ومع أن المشروع تعطّل العمل فيه نتيجة لبعض الخلافات، إلا أن العمل على إنجازه قد استمر مجدداً في عام 2015 في نفس الوقت فإن عمّان واجهت تحديات كبيرة لإدامة وتطوير جوانب أخرى من بنيتها التحتية وبيئتها تحت ضغط الزيادة السُكّانية واتساع رُقعة المدينة في كُل الاتجاهات. فمشاريع تحسين شبكات الطُّرق وأنظمة تصريف المياه والأرصفة ومكافحة التلوث الهوائي أصبحت تلِح بشدة على أجندة إدارة المدينة في أمانة عمّان الكبرى، والتي بدأت في إجراء مسح وتوثيق شامل للبنية التحتية في عمّان لتحديد احتياجات المدينة في السنوات القادمة.
قضايا الطاقة والتلوث البيئي والتعامُل مع النفايات في مدينة قفزت إلى المليونية في غضون قرن من الزمان هي أيضاً من التحديات البارزة في عمّان. ولا شك أن العمّانيين وإدارة مدينتهم متمثلة في أمانة عمّان قد أصبحوا يدركون أن مفهوم الإدارة البيئية المستدامة أضحى حاجة حقيقية لا ترفاً فكرياً. أفكار البِناء البيئي الأخضر والطاقة المتجددة، والتوجه نحو استخدام السيارات الكهربائية دخلت قاموس العمّانيين وتُرجمت في مشاريع أمانة عمّان مثل مشروع إنتاج الطاقة الشمسية لتغذية مباني الأمانة وإنارة الشوارع، وإنشاء محطة لتوليد الطاقة من النفايات وغيرها من مشاريع الطاقة والبيئة.
نوعيّة الحياة في عمّان ومتنفّسات الترفيه فيها تحدّ آخر ماثِل في المدينة، فغياب المساحات الخضراء الكافية لأهل عمّان هو من المشاكل التي واجهها العمّانيون منذ عقود. حدائق الحسين والتي افتتحت في غرب عمّان في العقد الأول من الألفية، لحقها مشروع حديقة الملك عبدالله الثاني لتكون متنفسا للأحياء الشرقية لعمّان. وسواء أكُنّا نتحدث عن البنية التحتية أو النقل العام أو المتنفّسات الخضراء، فإنه من الواضح أن كل هذه المحاور ترتبط بمفهوم التخطيط المديني والحضري الشامل. عمّان، المدينة التي نمت بسرعة لتستوعب الملايين من البشر وسياراتهم ونشاطاتهم التجارية، شهِد مفهوم التخطيط الشامل فيها مداً وجزراً، لكن الوعي فيها يزداد بأن المدن القابلة للعيش والتي تزدهر الحياة فيها لا بُد من أن تُخطط استناداً لحاجات الناس، وأن تستشرف المستقبل، لا أن تستجيب فقط للتحديات الآنية.
Kreshan35@yahoo.com