انكماش وزن إسرائيل الاستراتيجي
رجا طلب
من أكثر النتائج المهمة التي لا يعيرها المحللون الاستراتيجيون في العالم العربي أهمية هو تأثير السابع من أكتوبر على قيمة إسرائيل الاستراتيجية في الحسابات الأميركية، وكما هو معلوم فإن إسرائيل شكلت ومنذ الاعتراف بها في عهد الرئيس ترومان عقب إعلانها كدولة في 14 مايو/أيار 1948 شكلت مشروعا أساسيا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط الذي بات أحد أهم المناطق الحيوية في العالم بالنسبة لواشنطن وأوكل لها دورا وظيفيا في ذلك الوقت هو حماية المصالح الأميركية باتجاهين الأول أن تكون ساترا دفاعيا متقدما في مواجهة الاتحاد السوفيتي آنذاك، أما الاتجاه الثاني فتمثل في أن تكون جزءا من شبكة الدفاع عن المصالح الحيوية لواشنطن فيما يخص حماية منابع النفط في المنطقة بالاشتراك مع حليف آخر لواشنطن ألا وهو الشاه محمد رضا بهلوي شاه إيران، إلا أن سقوط الشاه عام 1979 بعد ثورة الخميني في إيران زاد من قيمة إسرائيل في الاستراتيجية الأميركية خاصة أنه في تلك الفترة الزمنية ازدادت حدة الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، ومع سقوط الاتحاد السوفياتي وتفككه مطلع التسعينيات وتحرير دولة الكويت من الاحتلال العراقي عام 1990 وتواجد القوات الأميركية بصورة مباشرة في الخليج العربي تزعزعت نسبيا قيمة إسرائيل وشكل مؤتمر مدريد للسلام واتفاقات أوسلو واتفاقية وادي عربة عوامل مضافة في تغيير شكل الدور الوظيفي لإسرائيل من دور عسكري أمني بحت إلى دور جديد تمثل في «السلام» والانخراط الإيجابي في المنطقة، ورغم ذلك فقد شعر اليمين الإسرائيلي الذي تولى قيادته بنيامين نتنياهو بعد إسحاق شامير واغتيال إسحاق رابين أن مجرد فكرة التخلي عن الأرض في أي اتفاق مهما كان نوعه هو خطر استراتيجي على إسرائيل ولذا حاول تخريب اتفاق السلام مع الأردن من خلال محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان أغسطس عام 1997 وطوال فترة حكمه من 2009 إلى يومنا هذا كان نتنياهو يدحرج مشروعه في قضم الأرض الفلسطينية وانهاء إمكانية قيام دولة فلسطينية والاستعاضة عن السلام مع الفلسطينيين بالسلام مع العرب إلا أن هذا المشروع الذي تبناه دونالد ترامب وحاول إكماله بايدن نسفه السابع من أكتوبر وأعاد «الصراع إلى شكله القديم وبحدية كبيرة» وهذا هو أحد الأسباب التي جعلت نتنياهو يشعر بخطورة «حماس» أو المقاومة بشكل عام على مشروعه الاستراتيجي هذا.
والنتيجة الثانية الاستراتيجية للسابع من أكتوبر تتمثل في تآكل قوة الردع الاستراتيجية لدى إسرائيل وانتهاء عصر الحروب السريعة وحسمها بالنصر، فالحرب على غزة هي في شهرها العاشر وقاربت على السنة ولم تحسم الحرب بالنصر المطلق الذي تبجح نتنياهو بانه سيحققه وفوق ذلك كله استشعرت النخب السياسية والعسكرية مدى العجز في تحقيق الحسم المقرون بالنصر والعجز في القدرة على خوض حرب على جبهات متعددة وهو الامر الذي استدعى ومنذ يوم الثامن من أكتوبر لجوء إسرائيل للاختباء في حضن الأم أي الولايات المتحدة الأميركية وكذلك بريطانيا وألمانيا وغيرهم من الدول الغربية، ومن هذه النقطة الحساسة يمكنني القول إن إسرائيل بمفردها وبكل أمكانياتها العسكرية فشلت في ردع «حماس» والمقاومة الفلسطينية وحزب الله.
• يلخص الكاتب الشهير عاموس هرئيل في مقال له في «هآرتس» في السادس عشر من هذا الشهر الوضع العسكري والميداني الذي تعيشه إسرائيل بعد السابع من أكتوبر وهذا نصه (عشرات الآلاف من الجنود وحاملتَي طائرات، وعدداً كبير من السفن، ومئات الطائرات الحربية.. وهذه هي المرة الثالثة التي توجه فيها الولايات المتحدة قوات كبيرة لمساعدة إسرائيل منذ بداية الحرب (المرتان السابقتان في تشرين الأول/أكتوبر، ونيسان/أبريل). «الكلشي» القديم القائل إن إسرائيل تدافع عن نفسها بقواها الذاتية لم يعد صحيحاً.) انتهى الاقتباس.
وهناك العديد من العسكريين المحترفين أمثال إسحاق بريك «نبي الغضب» والذي تنبأ بإمكانية حدوث السابع من أكتوبر والجنرال «إسرائيل زيف» الذي وصف وضع إسرائيل بقوله «إنها غارقة بالوحل» الذين يتحدثون عن أزمة إسرائيل الجيوسياسية والأمنية، هذا علاوة على الأزمة الاقتصادية التي تمر بها إسرائيل حيث وصلت الخسائر الاقتصادية بسبب الحرب إلى ما هو أكثر من 73 مليار دولار وفق إحصائية إسرائيلية في أبريل الماضي وهو رقم فلكي بكل المقاييس.
والخلاصة أن الدعم المالي والعسكري الأميركي منذ 1946 حتى نهاية 2023 والذي يقدر ب 158.6 مليار دولار لم يجعل هذه الدولة قادرة على الحياة بدون واشنطن، والسؤال هو ماذا تبقى من الدور الوظيفي لهذا الكيان؟