مفاوضات وقف إطلاق النار
إسماعيل الشريف
إن رفض «إسرائيل» لاقتراح بايدن بوقف الحرب سيؤدي إلى حرب لا نهاية لها، واستنزاف مواردها، والمساهمة في عزلتها الدولية، بالإضافة إلى منع الرهائن من العودة إلى عائلاتهم. وعلى النقيض من ذلك، فإن تنفيذ الاتفاق يعيد الرهائن إلى منازلهم، ويفتح الطريق نحو مستقبل أكثر أملاً نحن جميعاً بحاجة إليه. يجب أن يكون الاختيار واضحاً - فيل جوردان، مستشار الأمن القومي لنائبة الرئيس الأمريكي.
أجمعت التقارير على أن الجولة الأولى من مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة لم تحقق نجاحاً يُذكر. ومع ذلك، صدر بيان متفائل عن الوسطاء الثلاثة - القطري، والمصري، والأمريكي - حيث أشار إلى أن واشنطن قدمت اقتراحاً لتقريب وجهات النظر، وأن بايدن منخرط في المفاوضات على نحو مباشر.
حُدِّدَت الجولة الثانية من المفاوضات في القاهرة في نهاية الأسبوع الحالي، بهدف منح الوقت الكافي للأطراف جميعها لممارسة الضغط على نتن ياهو لقبول صيغة بايدن لوقف إطلاق النار. وكعادته في تخريب جميع المفاوضات السابقة، وضع نتن ياهو شروطاً جديدة تتعلق باستمرار احتلال معبر رفح ورفض الإفراج عن بعض الأسرى الفلسطينيين. بل وأكثر من ذلك، صدر تصريح مضلل من مكتبه يزعم أن نتن ياهو يقبل الصّيغة التي قدمها بايدن في السابع والعشرين من أيار، أي قبل إعلان بايدن عن خطته في الحادي والثلاثين من أيار!
وقد أكد أسامة حمدان، الناطق باسم حماس، أن الصهاينة لم يوافقوا على خطة بايدن حتى الآن.
خطة بايدن المعلنة تتكون من ثلاث مراحل. في المرحلة الأولى، يتم وقف إطلاق النار، وانسحاب القوات الصهيونية من المناطق المأهولة بالسكان، وتحرير الأسرى، وعودة الغزيين إلى منازلهم، بالإضافة إلى إدخال المساعدات الإنسانية. في المرحلة الثانية، يتم إنهاء جميع الأعمال العدائية، وتحرير جثامين الأسرى، وانسحاب الصهاينة بالكامل من قطاع غزة. أما في المرحلة الثالثة، فيتم تحرير باقي الجثامين وتقديم خطة لإعادة إعمار غزة.
تسعى الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لأسباب عديدة، أهمها أن الحزب الديمقراطي يعتمد على أصوات ناشطي حقوق الإنسان والعرب والمسلمين، وهي الأصوات التي قد تحسم الانتخابات. هذه الفئات لن تدعم الديمقراطيين إلا إذا أوقفت الحرب. فضلا عن ذلك، بدأ يظهر انشقاق داخل الحزب تحت اسم «الديمقراطيين التقدميين» الذين يطالبون بإنهاء الحرب. ومع اقتراب افتتاح الموسم الدراسي الجديد في الجامعات، يزداد احتمال اندلاع مظاهرات طلابية واسعة قد تضغط إلى حد بعيد على الإدارة لإيقاف الحرب وتخفيف الدعم الأمريكي للدولة المارقة، مما قد يهدد السلم الاجتماعي في الولايات المتحدة. إلى جانب ذلك، هناك الكراهية المتزايدة للأمريكيين في العالمين الإسلامي والعربي نتيجة مشاركتها المباشرة في الإبادة التي تحدث في غزة. ولا ننسى الانتقادات التي يواجهها بايدن لفشله في الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وأخيراً الحاجة إلى إعادة تركيز الولايات المتحدة على عدوها الأهم: الصين.
بدأت جميع الاطراف تمارس ضغوطاً على نتن ياهو لقبول خطة بايدن. فحماس تستمر في إطلاق صواريخها نحو تل أبيب في إشارة واضحة إلى أنها ما زالت تحتفظ بقوتها. أما حزب الله، فقد نشر صوراً لأنفاق تحتوي على مستودعات ضخمة تحت الأرض تضم صواريخ ومنصات دقيقة، كما استهدف الجليل الأعلى بأكثر من عشرين صاروخاً. في الوقت ذاته، تواصل إيران تهديداتها الانتقامية لاغتيال الشهيد إسماعيل هنية، لكنها تترقب ما ستسفر عنه المفاوضات، ولن تُفشلها بعملية انتقامية خاصة بها.
من جهة أخرى، بدأت تصدر تصريحات من كبار قيادات الجيش الصهيوني تفيد بأن العمليات العسكرية قد انتهت، وأنهم ينتظرون الوصول إلى اتفاق سلام. علاوة على ذلك، يواصل أهالي الأسرى الصهاينة تنظيم تظاهرات مفتوحة، وانضم إليهم كبار حاخامات اليهود، وعلى رأسهم الحاخام الأكبر للحريديم، إسحاق يوسف.
بدأت الولايات المتحدة بدورها تمارس الضغط على نتن ياهو، حيث شهدت الساحة الإعلامية الأمريكية هجوماً غير مسبوق عليه، واتهامه بالفساد السياسي وعرقلة مفاوضات السلام. كما تفيد التقارير أنه في حال فشل المفاوضات، يعتزم بايدن الكشف عن أن نتن ياهو هو من أفشلها، مما سيحرجه ويساهم في إسقاطه داخلياً.
في إطار الضغط الأمريكي، من المقرر أن يزور وزير الخارجية الأمريكي، بلينكن، اليوم الدولة المارقة، في حين بدأت تظهر تصريحات من ساسة أمريكيين تشير إلى أن عدم قبول نتن ياهو بإنهاء الحرب قد يؤدي إلى تدخل المجتمع الدولي في الحرب وزيادة عزلة الكيان. كما يجري الحديث عن فرض عقوبات على بن غفير وسموتريتش؛ الأول بسبب اقتحامه للمسجد الأقصى، والثاني لتصريحه بمشروعية تجويع مليوني فلسطيني في غزة، لإخافتهم أولا ثم إلى تفكك حكومة نتنياهو، وقد أتت أكلها هذه التهديدات بعد أن تراجع سمورتريتش عن تصريحاته، ووصفه هجمات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية على أنها عمل إجرامي وهو ابن مستوطنة من مستوطنات الضفة الغربية!
برأيي، إذا نجح نتنياهو هذه المرة أيضاً في إفشال المفاوضات، فقد يكون الحل الأخير للولايات المتحدة هو «الكي»، بمعنى أن تُوجه إيران وحزب الله ضربة قوية لإسرائيل بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة، لعل نتنياهو يفيق بعدها!