«فيراغوستو» مِلوني الطلياني

بشار جرار

البداية -وقبل أن يأخذنا الحديث إلى روما- البداية من عمّان. تحديدا من المستشفى الطلياني، إحدى الأيقونات العمّانية العتيقة. كان اسمها في مملكة الزمن فيلاديلفيا ومعناها حرفيا مدينة الحب الأخوي، ومن قبل كانت العاصمة المملكة، ربّة عمّون. ما تغيّر حالها مع المحبة والشهامة والكرامة يوما، ولم ولن يتبدّل -بعون الله وهمة رجاله- أبدا.

بدأت الحكاية بتغريدة شدت اهتمامي بصورة واحدة بسيطة وبضع كلمات بالإيطالية لم تكمل السطرين. أتابع جورجا مِلوني قبل فوزها برئاسة الحكومة الإيطالية بصفتها الوجه القيادي الجميل لليمين الوطني الطلياني المحافظ. وقد كرست لها مقالة من على هذا المنبر الكريم -الدستور الغراء- احتفاء بها واعتزازا بعلاقات الصداقة التي تربط بين الأردن وإيطاليا منذ عقود، لكن تغريدة الأمس كانت لافتة في صورة فرح عائلي -صورة فوتوغرافية عفوية واحدة- دعت من خلالها السيدة مِلوني الإيطاليين والعالم كله إلى الاحتفاء بالأسرة والاحتفال الدائم بها خاصة في اليوم المكرس للفرح والبهجة والأمل عند انتصاف آب اللهاب فيما يعرف بعيد «فيراغوستو».

الصورة كانت مفعمة بقيم المحبة وثقافة الفرح وحب الحياة. ليس أكثر من الأسرة تجسيدا لها، ولا يعرف قدر الأوطان إلا من آمن بالأسرة وراعى حراماتها كحجر الزاوية ومتمم البناء في المجتمع. فلا أمن مجتمعي ما لم يبدأ بالأمن الأسري. تحث جورجا السيدة القوية التي تذكرنا بالراحلة مارغريت تاتشر زعيمة حزب المحافظين في بريطانيا العظمى والتي عرفها العالم بلقب «المرأة الحديدية»، تذكرنا مِلوني بأن من حق الشخصية العامة أن تفرح وأن تشارك العامة بأغلى ما في حياتها الخاصة وقد كانت صورتها مع صغيرتها وقد رفعتها عاليا بذراعيها أثناء السباحة. فالقيادة تكون دائما بالمثال. والثقة والفرح والأمل يستمد دائما من المثل الأعلى، من القياديين الحقيقيين في المجتمع وليس بالضرورة من السياسيين أو المسؤولين. إشاعة القيم والسلوكيات الإيجابية مسألة مهمة في المجتمعات الحية والواعدة.

من الطبيعي أن تتفاوت الرسائل الإعلامية وفقا لتباين الثقافات بين الأمم، لكن ثمة مشاعر موحدة إنسانيا كالفرح وحرص الإنسان و»حقه بالسعي إلى السعادة» كما جاء في الدستور الأمريكي.

«فيراغوستو» عيد له جذوره الروحية والوطنية لدى الإيطاليين والمسيحيين خاصة أتباع الكنائس الرسولية سيما الكاثوليك حيث يرتبط انتصاف آب -وفقا للإيمان المسيحي- بعيد الرقاد أو انتقال سيدتنا البتول مريم العذراء بعد وفاتها عبر الملائكة إلى السماء. وقد حرصت مِلوني في تغريدتها عبر منصة اكس على حض الطليان والناس أجمعين على التعبير عن قيمهم واعتزازهم من خلال مظاهر الفرح والبهجة مع الأسرة.

ويا لها من مصادفة، فبعد «غوغلة» فيراغوستو، بدأت أخبار محادثات «الفرصة الأخيرة» بالتوالي من الدوحة، ولست أدري إن كانت هذه السطور سترى النور مع أخبار مفرحة لكل أسرة تضررت من حرب السابع من أكتوبر وتداعياتها. الخسائر البشرية والمادية فاقت ما يحتمله العقل والوجدان من آلام القتل والتشريد والنزوح والفقد والحرمان ناهيك عن الخسائر المادية التي تتطلب مليارات الدولارات -ما لا يقل عن الخمسين مليارا في بعض التقديرات- وسنوات طوال قد تصل إلى خمسة عشر عاما، لعودتها إلى حدود ما قبل السابع من أكتوبر 2023.

اللهم حكمة وقوة وأمنا وأمانا وسلاما. من حق الناس أن تفرح على مدار العام، لا في المناسبات فقط. وليس كل حصاد فرح، فبعضه مُرّ كالعلقم. وليس صحيحا دائما أن «كل مُرّ سيمر» فبعض «المر» سيحرق الأخضر واليابس قبل أن يمر.
نجّانا الله أجمعين من مرارة الندم وخيبات الأمل وسوء التقدير والعمل. مصائر الأوطان وقضايا الشعوب والأمم وحقوق الناس وكراماتهم وحرماتهم لا مجال فيها للمكابرة ولا المزاودة ولا المقامرة.