كيف أثرت "تجارة المناقلة" والين على انهيار الأسواق المالية؟
تعافت أسواق المال العالمية من فوضى واجهتها في 5 أغسطس/ آب الجاري، بنسب متباينة، لتكمل سلسلة تراجعات في القيمة السوقية للشركات المدرجة بالعالم، بلغت في ختام الجلسة 6.4 تريليونات دولار.
وتصدر مصطلح "carry trade” حديث أسواق المال العالمية الأسبوع الماضي، باعتباره أحد أربعة أسباب أدت إلى حدوث فوضى لدى المتداولين والبورصات من شرق العالم إلى غربه.
فإلى جانب بيانات للوظائف الأمريكية المحبطة، وبيع ملياردير لأكثر من نصف حصته في أبل، وانقلاب أسهم الذكاء الاصطناعي من قمم تاريخية إلى هبوط متسارع، فإن سبباً مرتبط بعمليات "carry trade”.
وما يعرف بـ "carry trade” بين الين والدولار، هي عملية اقتراض الين بسعر فائدة منخفض خلال السنوات الماضية، وشراء أسهم أمريكية لاستغلال أسعار الفائدة المنخفضة وتحقيق عوائد من الأسهم الأمريكية المرتفعة.
إلا أن رفع بنك اليابان المركزي أسعار الفائدة مرتين خلال العام الجاري، زاد كلفة القروض على المقترضين اليابانيين، الذين اقترضوا واشتروا أسهما في وول ستريت، والمحصلة بيع الأسهم لسداد القروض.
** ما هي carry trade؟
وتعرف كذلك تجارة المناقلة أو تجارة الهوامش، وهو شراء أصول عبر أموال رخيصة، إذ يستغل المستثمرون الفارق في أسعار الفائدة بين بلدين للاقتراض حيث يكون سعر الفائدة منخفضا، بينما عوائد استثمار هذه الأموال تكون مرتفعة في بلد آخر.
ما جرى مؤخراً، هو قيام مستثمرين بحصول على قروض بالين الياباني، حيث أسعار الفائدة شبه صفرية طوال أكثر من 15 عاما، وتحويل هذه الأموال إلى عملة الدولار الأمريكي.
يقوم المستثمرون بشراء أسهم في مؤشرات الأسهم الأمريكية الثلاثة، حيث شهدت هذه الأسهم ارتفاعات جنونية في بعضها، ما أدى إلى فتح الشهية لمزيد من الاستثمار فيها.
هنا تكون الأموال المقترضة من البنوك اليابانية، هي الوقود لشراء الأسهم الأمريكية؛ إلا أن بنك اليابان أعلن رفع أسعار الفائدة، ما يعني زيادة كلفة القروض القائمة والجديدة.
وبتاريخ 31 يوليو/ تموز الماضي، رفع بنك اليابان (المركزي الياباني) سعر الفائدة الرئيسي إلى 0.25 بالمئة بدلا من 0.1 بالمئة، في محاولة للحد من تراجع قيمة الين أمام الدولار.
ويبقى سعر الفائدة لدى بنك اليابان منخفضا مقارنة بباقي البنوك المركزية العالمية، إلا أنه الآن عند أعلى مستوياته منذ ديسمبر/ كانون الأول 2008.
** لماذا الين مهم؟
حتى تسعينيات القرن العشرين، كانت تجارة الحمل أو المناقلة، مجالًا لمديري صناديق التحوط الذين يراهنون على عملات الأسواق الناشئة الغامضة؛ ولم يكن المصطلح معروفا في التيار المالي السائد حينها.
لكن خفض بنك اليابان أسعار الفائدة إلى ما يقرب من الصفر في 1997، جعل المتداولين في جميع أنحاء العالم يدركون أنه يمكنهم تحقيق ربح من الاقتراض بالين لشراء أصول قائمة على الدولار.
انفجرت تجارة المناقلة في 1998، عندما ارتفعت العملة اليابانية 16 بالمئة مقابل الدولار في أسبوع واحد فقط، ما عكس سنوات من الربحية لمستثمري هذا النوع من التجارة.
وتعرضت التجارة لضربة أخرى عندما ارتفعت قيمة الين عام 2007 مقابل الدولار، بعد اندلاع أزمة الرهن العقاري الثانوي.
وأصبحت عمليات التداول بالاقتراض التي يمولها الين، شعبية مرة أخرى في العقد الماضي، مع بقاء التقلبات منخفضة وراهن المتداولون على أن أسعار الفائدة اليابانية ستظل عند أدنى مستوياتها.
في مارس/ آذار الماضي، رفع بنك اليابان أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ 17 عاماً، ثم رفعها مرة أخرى نهاية يوليو الماضي.
هاتان الزيادتان على أسعار الفائدة، أدتا إلى عمليات بيع للأسهم الأمريكية من قبل المستثمرين الذين اقترضوا الين، في محاولة للبيع بأقل خسارة ممكنة وسداد القروض المقومة بالين.
ورافق عمليات البيع القوية في جلسة 5 أغسطس الجاري، صدور بيانات للوظائف الأمريكية أحبطت الأسواق، وأظهرت أن الاقتصاد الأمريكي قريب من الركود، ما فاقم عمليات البيع.
كذلك، كان لانقلاب أسهم الذكاء الاصطناعي من قمم تاريخية إلى هبوط متسارع، دور في الأزمة، بعد إعلان شركات مثل إنتل نتائج مالية دون التوقعات خلال فترة الربع الثاني 2024.
وما زاد الطين بلة في تلك التعاملات، إعلان بيع جزء من حصة بيركشاير هاثاوي في شركة أبل، وهي عملية بيع اعتبرت مؤشراً من رئيس الشركة وارن بافيت، بأن سهم أبل المصنفة أكبر شركة بالعالم قد يكون وصل إلى ذروته.
الأناضول