زيد الرفاعي.. رجل الدولة
ويغادر رئيس وزراء الأردن الأسبق (زيد الرفاعي)، وثمّة ذكريات ربما كان ينبغي علينا أن نبادر إلى قراءتها من أحد الأعلام المهمين في السياسة والحكم في الأردن؛ فهؤلاء حتمًا شهدوا مراحل بناء الأردن ونهضته وعاصروا أجيالًا عديدة كانوا يقدمون لها حكمة السنين التي ورثوها من مدرسة الهاشميين وساروا بها جنبًا إلى جنب، يبنون ويتطلعون لأردنٍّ قوي، باعتبارهم رجالات وطن وشخصيات راكمت من الخبرة وبعد النظر والسياسة الكثير.
سيعود اليوم كلّ من يستذكر سيرة (زيد الرفاعي) إلى سنة 1936 يوم ميلاد "أبو سمير"، وهي فترة قديمة وذات ريادة واكتساب لمهارة الدفاع عن الوطن والخدمة في مؤسساته، إذا ما علمنا أنّ الأبناء يأخذون من الآباء والأجداد خصلة الوفاء لبلادهم والانتماء لها والصبر على ما تتعرض له من تحديات.
الكلمة التي تكررت عصر أمس على شفاه كلّ من سمع بنعي (زيد الرفاعي) هي الترحّم على سياسيٍّ كبير والإحساس بفقدان قيمة كبيرة لها حضورها، وهو موضوعٌ مهم لأن تدرك الأجيال ما قدّمه الرجالات وشهدوا عليه من مخاضٍ سياسي ونهضوي؛ فهؤلاء وجودهم وحده يعطي أملًا بأنّ الحكمة باقية في وطنٍ تظلّ شخصياته ورجالاته مداميك يعود إليها الجميع حين تشتدّ بالأوطان الأزمات وتصبح على محكّ التحديات وتحتاج إلى آراء سديده بناءً على تجارب مماثلة مرّوا بها من قبل.
(زيد الرفاعي) ممن جُبلوا بتراب هذا الوطن، وشغلوا مناصب مهمة في رحابه، وحين يودع الأردنّ اليوم إلى جوار ربّه، فإنما يودع قطعةً من قلبه، ويترك في سمائه إنجازات الرعيل الأول الذين نشأوا في مؤسسة الحكم، فتعلموا أبجديات السياسة والإدارة مبكرًا وساروا فيها وعرفهم الناس بأسمائهم كشخصيات ذات سمعة وألق تحتاج منّا اليوم أن نقرأ المراحل التي مروا بها فكبروا مع الأردن سنةً بسنة وحلمًا بحلم، منذ أن تأسس الأردن عروبيًّا مطلع عشرينيات القرن الماضي حتى دخل مئويته الثانية بكلّ حزمٍ وقوة وثبات يُستمدُّ من عزيمة الهاشميين ابتداءً من رؤية التأسيس مرورًا بالبناء إلى تعزيز البناء والمنجز والوقوف لكل التحديات والمصاعب والأنواء بصلابةٍ وثقةٍ وانسجامٍ مع الوطن الذي لا يلين.
وباستذكار سيرة (زيد الرفاعي): رئيسًا للوزراء ووزيرًا للخارجية والدفاع لأربع مرات 1973- 1985، ورئيسًا لمجلس الأعيان لخمس دورات 1997- 2009، وعضوًا في مجلس الأعيان لستّ دورات 1978- 1997، ومستشارًا سياسيًّا لجلالة الملك، وسفيرًا للأردن لدى بريطانيا عام 1971، ورئيسًا للديوان الملكي الهاشمي، وسكرتيرًا خاصًّا لجلالة الملك، وأمينًا عامًّا للديوان الملكي الهاشمي، ورئيسًا للتشريفات الملكية عام 1964،.. نحترم ونُكبِر فعلًا كلّ استحقاقات هذه القامة الوطنية التي تكللت في حياتها بالعديد من الأوسمة الملكية والعربية والدولية الرفيعة، تقديرًا لعطائها وحضورها، وحصلت على أرقى الشهادات في القانون والعلاقات الدوليّة،.. حينذاك نحتاج فعلًا إلى أن نتغنّى بالمنجز ونترحّم على الراحلين، ويظل عزاؤنا فيمن يحمل مشعل النهضة والبناء والعطاء في هذا الوطن العزيز، فإلى رحمة الله.
الرأي - إبراهيم السواعير