مذبحة حي الدرج عن سبق إصرار وترصد

علي ابو حبلة

سبق الإصرار والترصد هما ظرفان مشددان لجريمة القتل العمد، حيث إن سبق الإصرار هو ظرف نفسي يتطلب التخطيط المسبق والتصميم على ارتكاب الجريمة. أما مفهوم سبق الترصد فهو تربص الإنسان بالضحية في جهة أو جهات متعددة خلال مدة من الزمن تسبق ارتكاب الجريمة. فالترصد يعني إعداد وتجهيز أداة الجريمة، وهو واقعة مادية ويتطلب عنصرًا مكانيًا. أثر سبق الترصد في العقوبة: هو ظرف ذو طبيعة موضوعية ويمتد إلى الشركاء.

جريمة حي الدرج تمت عن سبق إصرار وترصد وفق التعريف أعلاه، حين قام طيران الاحتلال باستهداف المدرسة التي تأوي المئات من النازحين، وكان عدد كبير من الرجال يؤدون صلاة الفجر، بثلاثة صواريخ يزن كل واحد منها أكثر من ألفي كيلوغرام من المتفجرات. ووفق بيان وزارة الصحة الفلسطينية، فإن عدد الشهداء اقترب من المائة، كما أصيب عدد كبير من النازحين بينهم أطفال ونساء وشيوخ.

وفي ظل خروج مستشفيات قطاع غزة عن الخدمة وغياب المعدات الطبية، فإن غزة وحيدة في معركتها. مما يزيد من المعاناة في ظل حالة الحصار والتجويع، وفقدان المستلزمات الطبية التي يمنع الاحتلال وصولها إلى شمال قطاع غزة منذ بداية العدوان. ويؤدي ذلك إلى ارتفاع عدد الشهداء نتيجة نقص المستلزمات الطبية لعلاج الجرحى ونقص الأكفان للشهداء.

مجزرة حي الدرج تندرج ضمن تلك الجرائم وسياسة التوحش، وتحت ادعاءات استهداف قيادات حماس دون دليل أو إثبات يبرر تلك المجزرة، وهي منطقة مصنفة آمنة من قبل قوات الاحتلال، ومعروفة جيدًا لدى قواته بأنها تحوي نازحين.

كل من يتساوق مع رواية الاحتلال ويبرر جريمة حي الدرج والعديد من المجازر هو بحق أعمى البصيرة ويجهل شهية الاحتلال على القتل وارتكاب المجازر بحق المدنيين العزل. والهدف دائمًا هو وضع العقبات والعراقيل أمام محاولات التوصل لاتفاق يفضي إلى وقف إطلاق النار.
جريمة حي الدرج جاءت بعد صدور بيان يدعو للعودة إلى المفاوضات ومحاولة دبلوماسية لنزع احتمالات أزمة إقليمية وعالمية كبرى في حال قررت إسرائيل تنفيذ هجوم كبير آخر على إيران، سواء كرد على الرد، أو كـ «هجوم استباقي» (كما اقترح وزراء اليمين المتطرف). وهنا رهانهم ما زال في إيجاد أسباب لإفشال هذه الخطوة، وربما محاولة استفزاز للفلسطينيين للامتناع عن حضور جولة المفاوضات التي دعا إليها البيان وحدد موعدها في الخامس عشر من الشهر الحالي.

إن المفهوم الإسرائيلي للقوة وفق نظرية جابوتنسكي يرتكز على جانبين: الديني والفكري، بحيث تقوم الهيئات المتخصصة بالجانب الديني ببث ثقافة الكراهية والتحريض على القتل بالاستعانة بنصوص من التوراة والتلمود (المحرفة بالطبع) والتي تبعد كل البعد عن مفاهيم الديانات السماوية، وتركز فقط على الحروب والقتل.

تلك العقلية البربرية التي دفعت بقوات الاحتلال لاستهداف منطقة كان يعتبرها قاطنوها آمنة في حي الدرج، وقصف المنطقة وهم يؤدون صلاة الفجر بقنابل تزن ما يزيد على مئة كيلوغرام من المتفجرات بحد ذاتها جريمة حرب وتشكل خرقًا فاضحًا لكافة القوانين والمواثيق الدولية.
إن هذا التوجه الإسرائيلي وهذه المجزرة تحت وهم وذريعة استهداف قيادات في حماس، تعتبر جريمة عن سبق إصرار وترصد وتحريضًا واضحًا من أجل إبادة كل شيء في غزة والقضاء على الحياة البشرية فيها. وعليه، يجب التوجه إلى مجلس الأمن (الذي لا يحرك ساكنًا تجاه المجازر اليومية ضد شعبنا) ليأخذ قرارًا ملزمًا لكيان الاحتلال بوقف الحرب على عموم غزة، التي ترزح تحت جرائم الاحتلال اليومية، وتحت بند الفصل السابع.

إن مجزرة حي الدرج وبالتوازي معها، نفذت إسرائيل مجزرة في مخيم الشاطئ طالت مصلى أُقيم على أنقاض المسجد الأبيض الذي دمرته إسرائيل غرب المخيم، ما أسفر عن 20 شهيدًا، هم مصلون كانوا يؤدون صلاة الظهر.

وأخيرًا، لقد تحولت المحرقة اليهودية إلى محرقة فلسطينية، وأبطالها قادة الاحتلال وقواته. وبات التعهد الذي تعهدت به الدول الغربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية بأن الهولوكوست لن تتكرر أبدًا في مهب الريح، فبتنا نرى محارق وهولوكوست في فلسطين كل يوم. وهذا يتطلب موقفًا دوليًا رادعًا وطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لإدانة جريمة حي الدرج والشاطئ وكل الجرائم التي ترتكب يوميًا، مما يتطلب إلزام إسرائيل باحترام قرارات الشرعية الدولية ووقف إطلاق النار ووقف تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخائر تحت بند الفصل السابع، لوقف المذبحة بحق الفلسطينيين العزل. وعلى المجتمع الدولي التحرك الفوري لتأمين الحماية للشعب الفلسطيني ووضع حد لسياسة التوحش والتوغل في استباحة الدم الفلسطيني.