مخابراتنا .. حصاننا الرابح

جفرا نيوز - خاص  بعد الاعلان عن نجاح جهاز المخابرات العامة بالكشف عن مجموعة ارهابية قادمة من سوريا واحباط مخططاتها ، حضرت في ذهني احداث العام الماضي المصاحبة لتداعيات الربيع العربي ،و الضغوطات الكبيرة التي مارستها قوى سياسية ضد هذا الجهاز ، مستغلة اندفاع الشباب وتقمصهم للأحداث المحيطة ، إذ كان المناخ الاجتماعي مهيأ لاستثمار الظروف الاقتصادية الاجتماعية المتراكمة في البلاد.
فكثرة الجراح في الجسم الاجتماعي سمحت " للأوبئة " بالتغلغل في اوجاع المواطن الاقتصادية واستغلال آلامه ، فمارس من يمثلون تلك الاوبئة صروف الانتهازية والافتراء والتضليل باسم الهموم الوطنية والمطالبة بالتغييرات السياسية ، وافترشوا الرصيف والشارع زاعمين احتكار الرأي العام ، وتمادوا بالتهديد والوعيد والاستفزاز وانتهاز الفرصة لتشويه صورة الاردن والاستقواء على المجتمع والدولة بمطالب وشروط ترقى إلى المحاصصة .
دعونا نعترف بان هناك صورة نمطية خاطئة عن عمل الاجهزة الامنية ، رسمها اصحاب معتقدات سياسية واجتماعية من خلال المبالغة في نشر تجارب شخصية واستغلال الانطباعات المسبقة لركوب عواطف الناس ، وقد واصل هؤلاء استهداف انجازات الاجهزة الامنية واشاعة المعلومات المضللة لصناعة ازمة اخلاقية تجاه العمل الامني و اضعاف الثقة بمؤسسات الدولة .
إن ابسط تعريف لعمل المخابرات العامة هو فحص الواقع مع كل تعقيداته وتحولاته ، والخروج بتقدير صحيح للمعطيات المتوفرة ، فعلاقة هذا النوع من النشاط الامني مع إدارة الدولة كالعلاقة بين المعرفة والعمل ، وهو فن يؤمّن للدولة معرفة الأصدقاء من الأعداء .
ويخطئ من يعتقد بان الاعلان عن نجاح المخابرات العامة في احباط المخطط الارهابي تسويق اعلامي ، لان الشفافية ضرورية لتعبئة المواطن تجاه كافة المخاطر الامنية ، باعتباره شريكا اساسيا في منظومة الامن الوطني ، وتمكينه من التفاعل بوعي اكبر مع كافة المخاطر المحتملة ، وقطع الطريق على اي جهة تتربص لانتهاز الفرصة بالتشكيك في قدرة الدولة على حماية مواطنيها ،وإذا كانت السرية مطلوبة في معظم أنشطة المخابرات، فإن الفطنة والوعي ضروريان لإزالة الغموض الذي يعلق بأذهان المواطنين ، من خلال نشر الحقائق التي تقرب إلى الناس رسالة العمل الامني ودوره في الحفاظ توازن الحياة ضمن حدود الدولة .
علينا ان نعترف بان اجهزتنا الامنية واجهت صعوبة في الدفاع عن موقفها بالتزامها العمل بصمت لصالح الوطن ، فكانت تنجز كثيرا ولا احد يتذكر ، وتخطئ قليلا ولا احد ينسى ، لكنها ثبتت وابدعت وتغلبت على عثرات عابرة بفضل قدرات كوادرها وعملها المؤسسي وطول النفس ، وقد عبّر صبر أجهزتنا الامنية عن جوهرها الأخلاقي في احترام حرية التعبير عن الرأي والثقة بوعي المواطن في تمييز الحقائق والتركيز على النقاط المضيئة في مسيرة المملكة .
ولعل كافة المعطيات تؤكد بان المخابرات العامة الاردنية استعادت تألقها بفضل القراءة السياسية الثاقبة للمحيط الدولي والمؤثرة بالمناخ الاجتماعي والمزاج العام ، واستعادت الإيمان بقدرات كوادرها والثقة المتبادلة بين مستويات الادارة بعيدا عن ممارسات الاقصاء والشخصنة ، والتزاما بأولويات الاجندة الامنية ، وعلى رأسها حماية المواطن وحقوقه المدنية في ظل القانون .
فميزة الامن في بلدنا لم تـأت عن طريق الصدفة وليست صفة تنتقل بالجينات ، بل نتيجة لجهود كبيرة ومتواصلة لضمان السلم في المملكة ، وفي هذه المرحلة الدقيقة من المسيرة الديموقراطية انتقل العمل الامني إلى مرحلة متقدمة لتحقيق الاستقرار و حماية التنافس المشروع بين القوى الداخلية والاتجاهات السياسية في اطار الدستور والصالح العام ، ونحن على ثقة بامتلاك الامن القدرة على فحص الواقع مع احتدام التنافس على مقاعد البرلمان المقبل ، ومتابعة تحرك جماعات المصالح ومراكز القوى المؤثرة بالمجتمع المدني ، واستنتاج الاهداف غير المعلنة ، والكشف عن نقاط التصادم المحتملة والاعداد لمنعها مبكرا ، للحصول على افضل النتائج لحماية استحقاق الانتخابات النيابية في اطار القانون .
إن مصادر التهديد لا تتكشف تلقائيا بل يجب ادراكها والاستعداد لها في الوقت المناسب ، وهذا هو التوقيت الانسب لنا كمواطنين لنشارك بوعي في مواجهة ما يهدد الامن ، من تحد لهيبة الدولة ، وافتعال للازمات واستقواء بالأجنبي ، وتضليل للجماهير بمسيرات وخطابات مسرحية ، ومقاطعة الانتخابات التشريعية ، علينا ان نستعيد ثقتنا بإمكانات الدولة لمواجهة الواقع والتغيير نحو
الافضل ، وعلينا ان نتجاوز العثرات وننظر إلى المستقبل ، ونكتبه على اوراق الاقتراع بإرادة حرة ، مفتخرين بكفاءاتنا الوطنية القادرة على كسب الرهان في الظروف الصعبة .