العصى في دواليب التحديث السياسي: والقافلة تسير
بقلم - م. ابراهيم العوران
تراكم الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أدى إلى تسارع وتيرة التحول الديمقراطي في الأردن عبر لجنة التحديث السياسي ، وقد كانت الرسالة الملكية واضحة بضرورة التحديث لأدوات العمل السياسي، والانتقال نحو العمل الحزبي البرامجي، فالحزبية ممارسة ديمقراطية فضلى في كل الدول الديمقراطية التي تسعى نحو تعزيز الديمقراطية والتمثيل الشعبي والطبقي لجميع الشرائح الاجتماعية وتجويد أداء البرلمان ضمن مشروع يهدف بشكل أساسي إلى استعادة الثقة الشعبية بالمؤسسات الرسمية وتعميق العلاقة بين الشعب ومؤسسات الدولة الرسمية عبر قنوات الاتصال والممثلة بالأحزاب السياسية، التي تتنافس فيما بينها على التمثيل الشعبي عبر تنوع برامجها السياسية والاقتصادية وبالتالي التنافس على الوصول إلى البرلمان وتشكيل الحكومات الائتلافية البرلمانية، وقد أحسنت لجنة التحديث السياسي عندما جعلت من عملية التحديث السياسي عملية متدرجة لتأخذ الأحزاب وقتها في عملية البناء ضمن سياق العملية الإصلاحية، وحتى يتقبل المجتمع أكثر فكرة الحزبية ويتعود عليها فانقطاع الممارسة الحزبية أدى إلى تشوه في شكل الممارسة السياسية.
وكأي عملية تحول ديمقراطي، تمر التجربة في بدايتها بعدد من الأخطاء وقد يغفل القائمون على التجربة عن عدد من النقاط، ويقعون في شرك الشبهات، وهذا متوقع لأي تجربة تحول ديمقراطي وقد عالجها عدد من النظريات التي تحدثت عن تحديات التحول الديمقراطي ومراحله الانتقالية وصولًا إلى الممارسة الديمقراطية المنتظرة، وقد ذهب بعض المراقبون لعملية التحديث السياسي في الأردن إلى نقد التجربة بقسوة ووضعها أمام المقصلة، وقد يتجاهل هنا بعض المراقبون حداثة عمر التجربة، فلا يصح أن نطلق تعميما حول فشل منظومة التحديث السياسي، فالخطأ متوقع ووارد وطبيعي لأي تجربة تحول ديمقراطي وتبعا لظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية ضاغطة، فالديمقراطية تحتاج الى تراكم تاريخي للتجربة وتطويرها، والوقوف عند الأخطاء ومعالجتها وتصويبها، والمسؤولية على عاتق الجميع بحماية منظومة التحديث السياسي بالمساهمة في بناءها، وجزء من عملية البناء يكون بترميم الأخطاء وصيانتها.
على مر عقود غابت الأحزاب السياسية عن الساحة، وتركت خلفها فراغًا كبيرًا امتلئ بالطريقة الخاطئة والشكل الخطأ، وكرَّس لمفاهيم قاتلة شوّهت الممارسة السياسية بحيث ابتعد المجتمع عن المشاركة السياسية الفاعلة، وترسخ مبدأ الولاء مقابل النفعية، ومع بدء تشكل الأحزاب السياسية وصعودها والخطأ الذي وقعت به كثير من الأحزاب بالدخول بعمليات استقطاب غير نوعية ، امتلأت كثير من الأحزاب بالأشخاص الوصوليين والانتهازيين، وهذا غير مستغرب، ولا شك أن هؤولاء يبطئون من عملية التحديث التحديث لكنهم لا يقتلوها، فالتحديث السياسي كما قلت وأكرر يتطلب منا نفس طويل والتمسك بها فالديمقراطية تصحح نفسها بعد كل عملية ، والتجربة قادرة على غربلة هؤلاء الأشخاص .
وقد يكون مشهد الصراع على تشكيل القوائم الوطنية العامة معبرا عن حالة النقص في الثقافة السياسية الحزبية السليمة فهذا المشهد بالنسبة لكثيرين كان متوقعًا فغياب التجربة الحزبية لعقود طويلة من الزمن لا زال يلقي بضلاله على السلوك الحزبي ، وما ينتظرنا هو وضع مصفوفة لتجويد الممارسات الحزبية ، والذهاب نحو خيار تصحيح التجربة لا الحكم عليها بالفشل.
وختامًا لا بد من القول ، أن المشهد اليوم بكل ما فيه من سلبية مفيد لنا وضروري وتحصيل الفائدة منه ممكن وإلا كيف سيميز الأردنيون الغث من السمين ، الوطنيين من المتكسبين ، فما يجري اليوم يغربل كل من مر بالتجربة ،والبناء على ما قد ما تم انجازه وتصحيح المسار خيار وطني يتبعه الأردنيون.