حضانات آمنة وكفؤة تساعد المرأة على العمل

سمر حدادين

ما زالت نسبة مشاركة المرأة الأردنية في سوق العمل منخفضة، وفي قراءة متأنية للأسباب التي تعتبر طاردة للمرأة من سوق العمل تبرز مسألة تهيئة بيئة مناسبة للأطفال كحل أساسي لمواجهة العقبات التي تواجه الأمهات العاملات، وقد جاء القانون ليضع حلاً لهذا التحدي عبر إلزام المؤسسات والشركات في القطاع الخاص بتهيئة اماكن ملائمة لرعاية أطفال العاملات والعاملين تحت سن أربع سنوات.

وقد تضافرت الجهود الرسمية والأهلية في هذا الصدد، حيث عملت مبادرة «صداقة» بالشراكة مع الحكومة لوضع أنظمة وتعليمات ملزمة لتنظيم عمل الحضانات، وحث القطاع الخاص على تطبيق النصوص القانونية المتعلقة بهذا الشأن.

هذه الاجراءات، وإن لم تطبق وفق ما هو مأمول، وُجدت لكي تكون إحدى الوسائل التي تخفف من عبء أعمال الرعاية التي تقع على كاهل المرأة وحدها، رغم أن تربية الأطفال هي مسؤولية مشتركة بين الأب والأم.

بيد انه لا تتوقف معاناة الأمهات العاملات عند إيجاد حضانات يتحمل تكلفتها صاحب العمل، بل قد تكون تلك نقطة بداية معاناة أكبر، حيث تمر الأمهات بتجارب مريرة مع بعض الحضانات ومن يعمل بها.

فتوفير الحضانات وحده لا يكفي كي تشعر الأم براحة وطمأنينة على رضيعها أو طفلها، فما قد يتعرض له الطفل الأول من سوء معاملة أو إهمال داخل الحضانة، يجعل الأم تتردد بوضع طفلها الثاني بالحضانة، وهو ما يشعر العديد من الأمهات العاملات بأن الخيار الأكثر أماناً هو مغادرة سوق العمل والبقاء في المنزل، نتيجة لهذه التجارب السلبية.

وتوجد حضانات تقدم خدمة الرعاية بكل حب وتفانٍ، ولا يشعر الطفل بفرق من ناحية الرعاية بين المنزل والحضانة، ولكن نظراً لجودة الخدمة، فغالباً ما تكون رسوم مثل هذه الحضانات مرتفعة، ما يشكل عائقاً إضافياً أمام الأمهات العاملات، فهذه الحضانات تختار كادرها بعناية وتدفع لهم رواتب مرتفعة، مما ينعكس على تكلفة الخدمة، ولا تكون هذه الحضانات من ضمن الحضانات التي تقوم الشركات في القطاع الخاص بتوفيرها للعاملات لديها.

وإدراكاً لأهمية وجود الحضانات في أماكن العمل أو التي يتم دفع رسومها من قبل الشركة التي تعمل فيها المرأة، أصدرت وزارة التنمية الاجتماعية الشهر الماضي تعليمات تتعلق بعمل دور الحضانات، والتي قد تساهم في تجاوز بعض المشكلات التي تواجه الأسر مع الحضانات. ومع ذلك، تبقى هذه التعليمات غير كافية، حيث لن تغير من سلوكيات بعض العاملات في الحضانات ممن يمارسن سوء المعاملة أو الإهمال.

مشكلة توفر حضانات ذات بيئة آمنة للطفل أمر مهم جداً في مساعدة المرأة للخروج إلى سوق العمل، وينبغي البحث عن حلول حقيقية تجنب الأمهات والآباء المعاناة بالبحث عن حضانة آمنة، وهو ما يتطلب وضع شروط تأكيد أهلية العاملين والعاملات في قطاع الحضانات، كأن تخضع أية عاملة في هذا القطاع لدورة مكثفة بأساليب الرعاية السليمة التي تحفظ صحة وسلامة الطفل، وأن توضع كاميرات مراقبة في غرف الحضانة، بحيث لا تستثنى أي غرفة من الكاميرات، يملك الأهل إمكانية الوصول لها في أي لحظة.

كما يمكن التفكير بتطوير صندوق الأمومة في الضمان الاجتماعي، عبر رفع قيمة الاقتطاع الشهري ليقوم الصندوق بتغطية رسوم الحضانات ذات الكلفة المرتفعة، ولكنها ذات العناية الفضلى للطفل، وهو ما يخفف العبء عن كاهل الأسرة، شريطة أن يتوقف هذا الدعم حين بلوغ الطفل عمر أربع سنوات.

ولإدخال عاملين وعاملات ذوي كفاءة لقطاع حضانة الأطفال، يجب تشجيع الشباب والشابات على دراسة التخصصات المتعلقة بأعمال الرعاية، مع تحسين قيمة هذا العمل اجتماعياً عبر زيادة الدخل المتأتي منه ورفع قيمته المعنوية.

العمل الرعائي، إذا لم يُعطَ الاهتمام الكافي ويُعرض كخيار مهني مجزٍ، سيظل أحد المعوقات الرئيسة التي تعترض زيادة نسبة مشاركة النساء في سوق العمل.