الثعلب يعظ.. نتنياهو نموذجا
جهاد المنسي
وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي المتهم بارتكاب جرائم حرب، وابادة جماعية، بكل صفاقة امام الكونغرس الأميركي وسط حفاوة مبالغ فيها وتصفيق لأكثر من 81 مرة من قبل الحضور، ليلقي خطابا كله كذب وتدليس وتزوير للحقائق، فيما تغيب عشرات المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين عن الجلسة تعبيرا عن استيائهم من مقتل آلاف المدنيين، والأزمة الإنسانية الناجمة عن حملة الابادة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفي الوقت عينه تجمع آلاف من الناشطين محتجين معارضين للحرب، قرب مبنى الكابيتول، وحمل بعضهم أعلام فلسطينية، ووضعت لافتات على منصة أقاموها تقول إن نتنياهو (مطلوب للعدالة)، في إشارة لمذكرة الاعتقال التي طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدارها.
خطاب نتنياهو الذي استقاه من مقولة بول جوبلز وزير الدعاية السياسية في حكومة هتلر النازية والتي تقول «اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الآخرون، ثم اكذب واكذب حتى تصدق نفسك» ولذا حمل الخطاب الكثير من الأكاذيب بشان عدم ارتكاب جرائم حرب في القطاع، وعدم قتل المدنيين الفلسطينيين، وكأن العالم لم ير آلاف الأطفال والشيوخ والنساء الذين استهدفتهم آلة القتل الإسرائيلية.
القصة ليست في قيام القاتل بالكذب والتدليس، وانما هو قيام مشرعين اميركان بالاستماع على مدار 53 دقيقة لكل هذا الكذب والتزوير والافتراء، والتصفيق للقاتل، وهو ما يكشف حقيقة أولئك الذين اشبعونا كذبا حول الحريات العامة والعدالة والمساواة ورفض الحروب، وهو ما سيسجل كنقطة سوداء في تاريخ الكونغرس الأميركي، إذ لا يعقل ان يستقبل الكونغرس مجرم حرب بتلك الحفاوة بينما العالم اجمع يشاهد منذ اكثر من 9 أشهر جرائم إسرائيل البشعة والنازية في قطاع غزة، كما لا يمكن تبرير احضار مجرم حرب على شاكلة نتنياهو مطلوب في المحاكم الدولية، ليقف امام اهم مجلس في العالم، ومنحه حق الكذب والتزوير، وتجاهل قتله لأكثر من 45 ألف مواطن مدني منهم أطفال وشيوخ ونساء، فذاك، بمثابة تمزيق لكل الشرائع الدولية ورميها في سلة المهملات.
الإعلام الغربي تجاهل غياب ابرز الأعضاء في المجلسين (النواب والشيوخ) وركز على التصفيق وخلافه، ولم يلتفت لما كتبه مشرعون اميركان غابوا عن الجلسة، فقد كتب بعضهم عبير منصة (اكس) لا أرغب في الحضور، لا أريد أن أكون جزءاً من دعم سياسي في هذا الخداع، وكتب آخر الغرض من مخاطبة نتنياهو الكونجرس هو تعزيز مكانته السياسية في إسرائيل، وتخفيف حدة المعارضة الدولية لحربه، لا أشعر بأنني من أنصار هذا، ولذا لن أحضر.
الكثير من الأسماء البارزة في المجلسين غابت عن الجلسة، بيد ان ذاك لن يجعل ما حصل في الكونغرس مجرد خطاب وكفى، وانما بات على الولايات المتحدة والمشرعين الاميركان إزاحة القناع الذين يتحدثون فيه للعالم وانهم يسعون للعدالة والامن والاستقرار والحرية، والتسليم بأن ذاك كله مجرد شعارات جوفاء تباع على بعض دول العالم لتعزيز نفوذ واشنطن، وان الحقيقية الثابتة ان هناك انحيازا من قبل واشنطن، ودعم مطلق لإسرائيل في تنفيذ جرائم الحرب والابادة التي تقوم بها في قطاع غزة.
عندما شاهدت ايادي المشرعين الأميركان تلتهب بالتصفيق للمجرم نتنياهو استذكرت قصيدة احمد شوقي التي يقول فيها: برز الثعلبُ يوماً في شعار الواعِظينا.. فمشى في الأرضِ يهذي ويسبُّ الماكرينا ويقولُ: الحمدُ لله إلهِ العالمينا.... يا عِباد الله، تُوبُوا فهْوَ كهفُ التائبينا وازهَدُوا في الطَّير، إنّ العيشَ عيشُ الزاهدينا... واطلبوا الدِّيك يؤذنْ لصلاةِ الصُّبحِ فينا... فأَتى الديكَ رسولٌ من إمام الناسكينا عَرَضَ الأَمْرَ عليه وهْوَ يرجو أَن يَلينا... فأجاب الديك: عذراً يا أضلَّ المهتدينا! بلِّغ الثعلبَ عني عن جدودي الصالحينا ممن دَخل البَطْنَ اللعِينا... أَنهم قالوا وخيرُ القولِ قولُ العارفينا: مخطئٌ من ظنّ يوماً أَنّ للثعلبِ دِينا.
نعم في واشنطن رأينا الثعلب يعظ.. فهل هناك من صدق؟؟.. قطعا لا، حتى من صفق له، اجزم انهم لم يصدقوه، وانما تواطأ اغلبهم معه.