الناقل الوطني: كسر الجمود بالتجزئة
كتب: عبدالله سرور الزعبي
مشروع الناقل الوطني، والذي يصنف الأكبر بين المشاريع الاستراتيجية في تاريخ المملكة في حال تم تنفيذه. يهدف المشروع إلى تحلية 300 مليون متر مكعب من المياه سنوياً ونقلها لمسافة تقدر بحوالي 450 كيلو متر للمساهمة في تامين الامن المائي للأردن، الدولة التي تصنف ثاني افقر دولة في العالم في مصادر المياه.
من المعروف ان مشكلة المياه تتعمق في الأردن عاما بعد عام، بسبب الزيادة الغير طبيعية للسكان كنتيجة للزيادة في اعداد اللاجئين، والتي جعلت من الأردن الدولة الأعلى في العالم في استضافة اعداد من اللاجئين نسبة إلى عدد سكانه.
ان الزيادة السكانية غير المسبوقة التي شهدها الأردن على مدار العقود الماضية، ادت الى انخفاض حصة الفرد من المياه لتبلغ 61 متر مكعب من المياه (حسب تصريحات من وزارة المياه)، وهذه النسبة اقل من 15% من مقدار ما هو محدد عالميا كخط الفقر المائي والبالغ 500 متر مكعب سنوياً. وفي حال استقرار النمو السكاني في الآردنعلى مدار السنوات القادمة فان
تنفيذ المشروع سيساهم برفع حصة الفرد من المياه في الأردن إلى ما يزيد عن 90 متر مكعب في السنه.
ان تنفيذ المشروع بكافة مراحله، من حيث بناء محطة تحلية المياه على الشاطئ الجنوبي وعملية تركيب المضخات لسحب المياه من البحر (مع المحافظة على البيئة البحرية وخاصة الشعاب المرجانية)، وبناء صهاريج التخزين، ومرحلة نقل المياه عبر الانابيب للمحافظات المختلفة، وتوزيعها على القطاعات المختلفة، الشرب والزراعة والصناعة، من المفترض ان ينتهي مع نهاية هذا العقد، الأمر الذي اصبح من غير المؤكد ان يتحقق في الموعد المخطط له، هذا مع العلم بانه سبق وان كان هناك تصريح رسمي صادر عن الحكومة بان التزويد بمياه الناقل الوطني ستكون في عام 2027.
حسب المعلومات الصادرة عن وزارة المياه والمنشورة في الصحافة والمواقع الالكترونية المختلفة فقد سبق وان تأهلت خمس شركات واستعدت لتنفيذ عطاء المشروع بكافة مراحله كوحدة واحده، إلا ان المفاجأة كانت بانسحاب أربعة منها، وبقيت شركة ميريدام سويز.
وهنا فانه لمن الطبيعي ان يتسأل الموطن عن اسباب هذا الانسحاب لبقية الشركات بعد تأهلها؟ وهل كان من المفروض ان يتم طرح المشروع كوحدة واحده في كافة مراحله؟
عند تحليل المشروع، فاننا نجد بان المرحلة الاولى والثانية والتي من الممكن دمجهم معاً في مرحلة واحده، كمرحلة معنية بنقل تكنولوجيا حديثه لبناء محطة التحلية وسحب مياه البحر وبناء الصهاريج وتنفذ كعطاء منفصل عن طريق الشركات الدولية صاحبة الخبرة، وسبق لشركات عالمية ان نفذت مثل هذه المشاريع في المنطقة وبنفس حجم محطة التحلية في العقبة، كمحطة ام الحول في قطر والتي تنتج 300 مليون متر مكعب من المياه وبكلفة ماليه كانت اقل من مليار دولار، ونفذت من قبل شركة إسبانية.
اما المرحلة الاخرى من المشروع والتي هي عباره عن نقل المياه عبر الانابيب من العقبة إلى المناطق الجغرافية الاخرى من المملكة، كان من المفترض ان تكون كعطاء منفصل، وينفذ من قبل الشركات الوطنية ولدينا في الأردن الخبرة الهندسية الكافية لذلك، وسبق لبعضهم ان شارك في تنفيذ خط مياه الديسه، الذي لم تتجاوز تكلفته مليار دولار.
اما عندما نتحدث عن التكلفة الماليه للمشروع نجد ان هناك تضارب في التصريحات المنشورة في الصحافة والمواقع الإخبارية، حيث اشارت بعضها إلى ان التكلفة هي حوالي 2 مليار وتصريح آخر أشار إلى ان التكلفة 2.5 مليار وأخرى 2.7 وغيرها افادت ب 3 مليار واخيراً تصريح لمعالي الوزير بان التكلفة تقدر ب 3.5 مليار دينار. كما ان هناك حديث بان التكلفة ارتفعت لأرقام اكبر من ذلك بكثير.
في المقابل يستنبط من التصريحات الرسمية ان مقدار حجم المنح والقروض التنموية والاستثماريّة للمشروع وصلت إلى 1830 مليون دولار، وفي تصريح آخر يؤكد بان المشروع سينفذ على نظام البناء والتشغيل ونقل الملكيه BOT ولمدة 25 سنه.
وهنا لا بد من الإشارة إلى ان التوجيهات الملكية السامية صدرت بإعطاء المشروع الاهمية القصوى، وفي ظل تفاقم ازمة المياه يوما بعد يوم، وفي ظل التأخير الذي أصبح واضحاً، هل من الممكن طرح التساؤل عن إمكانية تصحيح المسار وطرح عطاء نقل التكنولوجيا الحديثة وبناء المحطة، لتكون المنافسة بين الشركات الدولية صاحبة الخبرة، ويمول من المنح التي اعلن عن توفرها، وحسب التصريحات الرسمية، ونعتقد بانها ستكون كافية لذلك. وعطاء آخر آخر لصناعة الانابيب ولتنفيذ خطوط نقل المياه(والتي تقدر تكلفتها بحوالي 65% من تكلفة المشروع، حسب احد الخبراء الذين عملوا على تنفيذ محطة ام الحول في قطر) وتحديد مواصفات الأنابيب من قبل مهندسين اردنيين تكون بمستوى المواصفات العالمية وهم القادرين على هذه المهمة بكل سهولة (لا ان يتم حصرها في جهة واحدة لتصنيعها) ليكون التنافس بين الشركات الوطنية على صناعتها وتنفيذ تمديد الانابيب، الأمر الذي يقلل التكلفة المالية بشكل كبير جداً. اما إذا كانت المبالغ المالية والتي تم توفيرها عبارة عن قروض، فيمكن الاستغناء عنها وان يتم التنفيذ بمساهمة استثمارية مالية كاملة من قبل صندوق استثمار الضمان الاجتماعي، وهذا ما اشار اليه مدير عام الضمان الاجتماعي السابق في مقال له منشور في صحيفة الغد بتاريخ 24/1/2025 مبينا بان تكون الملكية لصندوق الضمان ومنفصلة عن التشغيل، والذي ممكن تنفيذه عن طريق شركات المياه الوطنية والتي اصبحت لديها الخبرة الكافية لذلك. كما ان رئيس صندوق الاستثمار معالي الدكتور عزالدين كناكرية صرح حديثاً وتحديداً بتاريخ 21/7/2024 بان الاستثمار في مشروع الناقل الوطني مجدي استثماريا.
انني اعتقد بان السير بهذا الطريق، سيحمي الأردن من مزيدا من الاقتراض وفوائده، ويحقق فائدة حتمية لصندوق استثمار الضمان الاجتماعي، ويقلل كلفة تنفيذ المشروع لتكون قريبة من 2 مليار دينار وبالتالي يحمي المواطن الأردني من الارتفاع الكبير في فاتورة المياه في ظل عدم قدرة الحكومة على الاستمرار في دعم فاتورة المياه على المدى الطويل.
هذا فيما يتعلق بالتنفيذ والتمويل، اما فيما يتعلق في منهج الملكية والإدارة والتشغيل فهي مسألة يمكن مناقشتها على نحو يحقق المصلحة المشتركة لكافة الاطراف المتداخلة في المشروع من ممولين ومنفذين ومشغلين، وبطبيعة الحال، المستهلكين ايضا. ان النماذج التي تحكم مثل هذه الترتيبات عديدة، ولدى الأردن من الخبرات ما تجعله قادر على الخروج بتوليفة مناسبة تحقق مصلحة الجميع وبالتالي المصلحة الوطنية.
ان مثل هذا الاجراء وبكل تاكيد يضمن تنفيذ المشروع باقل تكلفة على الدولة وبتمويل اردني، وايادي أردنيه لمعظم أجزاءه(خطوط النقل)، مؤكدين بان تنفيذ هذا المشروع، هو محط اهتمام جلالة الملك وسمو ولي العهد.