القطاونة يكتب خطاب نتنياهو ما بين العاطفي والواقعي... !

د. عادل محمد القطاونة 
واشنطن- الولايات المتحدة الأمريكية

في نظرة عميقة إلى ما حدثَ ويحدثُ في غزة، وما حدث في الكونغرس الأمريكي قبل أيام قليلة، يمكن القول بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد استطاع ومن خلال خبرته الطويلة في العمل السياسي والعسكري أن يُفعّل الجانب العاطفي ويُغلب الجانب الإنفعالي لتعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فالنقطة الأساسية التي ركز عليها في خطابه على أن أعداء الولايات المتحدة الأمريكية هم أعداء إسرائيل، وإنه يرى أن المعركة واحدة وإن الدعم الأمريكي لإسرائيل يعني دعم أمريكا لنفسها ..!

بدا واضحاً أن هنالك ترتيبات مسبقة في التعامل مع خطاب نتنياهو من قبل النواب اليهود في الكونغرس، لإظهار أنه بطل قومي ورجل استثنائي من حيث الترحيب الكبير وإطلاق صرخات الإعجاب، فعلى الرغم من الغياب الواضح لعدد كبير من الشخصيات الأمريكية وخصوصاً من أعضاء الحزب الديمقراطي في الكونغرس، مثل نانسي بيلوسي وباراك أوباما وكاميلا هاريس، إلا أن الجانب اليهودي والإعلاميين المؤيدين لنتنياهو إستطاعوا من دعم صورة الخطاب بشكل عاطفي عبر التصفيق المتتالي على بعض العبارات التي تحدثت عن الانتصارات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ودور إسرائيل في المنطقة كشريك أساسي واستراتيجي للولايات المتحدة..! 

المتابعُ بدقة شاهد بما لا يدعُ مجالاً للشك في أن هنالك صراعاً إعلامياً بين من هو مع ومن هو ضد الحرب على غزة، وأن هنالك عدداً محدوداً من الحضور كان يدير المشهد الإعلامي الذي سوف يظهر نتيناهو به أمام العالم، ومع هذا التفاعل بدأ المشهد عاطفياً اكثر منه واقعياً، فالحقيقة أنّ نتنياهو اليوم يُعاني عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً ! ولا يمكن وصف خطابهِ إلا بالوصف الاستعراضي لا البراغماتي المبني على الجزء الصغير من الحقيقة وإغفال الجزء الكبير من الجريمة؛ الخطاب الذي تغافل عن الإشارة لمقتل أكثر من 39000 إنسان أغلبهم من المدنيين من نساء وأطفال، وابتعد عن وصف الدمار الشامل وقصف المستشفيات في غزة، ولم يشر إلى أي تفاصيل عن مصير الرهائن الإسرائيلين أو عن أي صفقة سياسية قريبة لوقف الحرب...! 

إن الخطاب الذي يجب أن يقف عنده العالم أجمعَ ويصفقُ له الحاضر والغائب، هو الذي يُنادي بالحل السياسي الجذري المبني على أساس العدالة والمساواة والحرية، وليس الظلم والعنصرية والكراهية، الخطاب الذي يدعو للعودة إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) الذي يُرسي مبادئ السلام العادل في الشرق الأوسط، والقائم على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلّتها عام 1967. وليس بعيداً عن ذلك قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (2334) المعتمد في 23 ديسمبر 2016، والذي حث على وضع نهاية للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، ونص القرار على مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض المحتلة منذ عام 1967.

من السهولة الحديث عن المشكلة، ولكن الصعوبة تَكمُنُ في إيجاد حل لها؛ والحكمة تقتضي أن يقف العالم اليوم أمام مسؤولياته الإنسانيّة، وأن يكون للولايات المتحدة والدول الأعضاء في الأمم المتحدة دورٌ حاسم وكامل في تحقيق السلام والاستقرار، وليس الوقوف للإستماع تارةً والتنديد تارةً أخرى، دورٌ يوقف الحرب على غزة فوراً، وقرارٌ يجعل للمواطن الفلسطيني الحق في العيش الكريم دون استثناء أو تمييز أو تغيير؛ عندها يكون للخطابات أهميتها في ذكر الإنجازات الوطنية لا الانتهاكات العنصرية، الإشارات إلى الانتصارات الإنسانية لا المذبحات الجماعية…!