هل سيؤدي غياب كبار النواب عن الانتخابات لظهور برلمان بوجوة جديدة؟
الفراغات التي يتركها مشرعون بارزون قرروا الانسحاب من الانتخابات الأردنية المقبلة بمحطة لا بد من تأملها وإعادة قراءتها عندما يتعلق الأمر بسيناريوهات من صنف الإنتاج المفترض لقوائم الأحزاب السياسية المتنافسة، أو عندما يتعلق بالتنظير والترويج والتسويق لفلسفة «الوجوه الجديدة».
غياب الخبرة
غياب الخبرة عن طاقم مجلس النواب 2024 خصوصاً في جزئية التشريع، قد يعني ترك مساحة فارغة لتراكم كمي في الجزء المتعلق من واجب الرقابة على السلطة التنفيذية.
ذلك مفيد جداً بكل حال سياسياً ووطنياً، لكنه قد يؤدي إلى ممارسات غير منضبطة تحت قوة وستار الرقابة الدستورية على الحكومة والسلطات يمارسها هذه المرة نواب جدد أو وجوه مستحدثة، وقد يكون لبعضها في الأثناء قوة إضافية إذا ما ارتدت الثوب الحزبي. انسحابات نخبة من كبار النواب أصحاب الخبرة، أصبحت ظاهرة لا يمكن تجاهلها خصوصاً إذا ما استرسل سيناريو وجوه جديدة بنسبة أغلبية في تجربة لم يألفها الأردنيون بالعادة بعد.
وبند المفاضلة ما بين غياب مشرعين بارزين، يمكن أن يؤدي إلى تنشيط صنف خاص لم يختبر سابقاً من الرقابة أو حتى الادعاء والاستعراض بها.
يسأل سياسيون كبار: هل هذا هو المطلوب من أجل خدمة مسار تحديث المنظومة السياسية في البلاد؟.
سؤال من الصعب الإجابة عليه في ظل حمى التنافس الانتخابي وتجاذبات بعض مراكز القوى الواضحة الآن، وما ألمح له خبير سياسي وبرلماني مثل الدكتور ممدوح العبادي أمام « مؤخراً هو أن البرلمانات الديمقراطية العصرية وعند إجراء الانتخابات، تزيد فيها الوجوه الجديدة بعدد نسبي محدود وغير مؤثر ولا يشكل أغلبية؛ لأن خبرات التشريع والرقابة الدستورية وإدارة اللجان كلها معطيات أساسية في اتجاه استعادة دور سلطة البرلمان الدستورية.
صعود في نظرية «تجديد الوجوه»… من يملأ الفراغات؟
يقر الأمين العام لأكبر أحزاب الوسط الدكتور محمد المومني، مع بأن العمل الحقيقي والواجب الأعمق هو العمل المؤسسي برلمانياً مستقبلاً بعد الانتخابات.
وما يلفت العبادي النظر إليه هو الانتباه إلى ضرورة عدم الإفراط في الحديث عن أغلبية وجوه جديدة؛ لأن ما يحصل في برلمانات الدول المتقدمة والعريقة هو العكس؛ حيث تفاعل منتج يؤسس لقيادات خبيرة في التشريع والرقابة بين الخبراء وأصحاب الخبرة العتيقة الذين يشكلون الأغلبية لإدارة العمل وبين أعضاء جدد بطاقة الشباب يتبادلون الخبرة ويتم تجهيزهم للمستقبل.
لا يتحمس الساسة الكبار في عمان إطلاقاً لفكرة إبعاد أو ابتعاد طبقة واسعة من أصحاب الخبرة التشريعية وكبار الممارسين لصالح سيناريو الوجوه الجديدة؛ فهو حمال أوجه، ونمط من الجدل ثار بهذا المعنى مؤخراً بعدما انسحبت نخبة من كبار لاعبي السلطات التشريعية الخبراء واحداً تلو الآخر لصالح ما يسمى ضمناً بتيار التجديد والوجوه الشابة.
أول المنسحبين كان المخضرم عبد الكريم الدغمي، وأعقبه قطب برلماني يمارس واجباته ويعرفه الجميع من 27 عاماً هو خليل عطية، ثم رصد صف الانتقاد في مبدأ الرقابة إعلان النائب البارز أيضاً صالح العرموطي الانسحاب من عملية الترشيح، فيما يعرف الجميع أن العرموطي هو أنشط برلماني في الدورة السابقة في مجال المداخلات التشريعية والرقابية بحكم خبراته الأساسية كنقيب سابق للمحامين.
وقد يزداد الموقف تعقيداً إذا ما قرر رئيس مجلس النواب الأسبق والطاهي المتقدم في مجال اللجنة القانونية عبد المنعم العودات، الانسحاب أيضاً لأسباب يقول المقربون منه إنها شخصية، فيما لا تظهر البوصلة الرسمية اهتماماً بوجود رموز في البرلمان والترشيح من الصنف الذي كسب خبرة متراكمة.
ولا شكوك في المقابل بأن غياب مهندس عمليات تشريعية في البعد الاقتصادي تحديداً من وزن الخبير الدكتور خير أبو صعليك، قد يترك فراغاً في سلطة التشريع من الصعب تعويضه، خصوصاً أن أبو صعليك وغيره من كبار المترشحين المنسحبين أقرب إلى صفة رجال دولة في العمل والواجب.
الفرص المتاحة
دعم هذا النمط في الانسحاب قد لا يخدم مسار تحديث المنظومة السياسية، والسبب ـ في رأي مراقبين خبراء ـ أن الخبرات التي تنسحب من العملية بقرارات طوعية أو قسرية ولسبب أو لآخر، من الصعب جداً والمعقد تعويضها أو الانتظار ودفع كلفة تدريب وجوه جديدة على حساب المسار والمصالح.
الثابت حتى الآن أن الفرص المتاحة على صعيد شرائح اجتماعية أو مكونات حزبية ليست -كما يظهر ويرصد- بديلاً منتجاً عن الوجوه القديمة التي ينظر كثيرون لانسحابها وبديلاً عن الذهاب نحو عملية تطعيم برامجية منتقاة بعناية بين القدماء والجدد من المشرعين.
ما يزيد من تعقيدات الفراغ المفترض هو التفاضل العددي لعنصري الشباب والمرأة بموجب قانون الانتخاب الجديد في برلمان 2024، وهو تفاضل قد ينتهي فعلاً بصناعة قيادات جديدة في مسألة ملحة ومطلوبة بكل الأحوال، وقد يوفر الفرصة لبروز كفاءات تشريعية بدون شك.
لكن ضمن سياق الاحتمالات والفرضيات وتحت تأطير حزبي لم يجرب سابقاً عملياتياً، حيث الأفضل على الأرجح بروز كفاءات الشباب والمرأة برلمانياً ضمن معطيات تبادل الخبرة مع كبار اللاعبين المخضرمين الذين انسحب معظمهم أو سينسحب قريباً. يحتاج المشهد لإعادة ضبط الإعدادات.
وما قاله العرموطي عن ضمانات النزاهة الانتخابية هو «ليس كل ما يعرف يقالـ«.
بسام البدارين - القدس العربي