طوفان الأقصى وتستمر الإبادة
إسماعيل الشريف
«في هذه اللحظة التي تبدو فيها أن الروايات الكبرى تفشل في جذب انتباهنا، ربما تتمكن القصة المتواضعة من القيام بعملها، وإن كان خفيفًا ونحيلاً بشكل خادع، فتجلس معه ولعله يحركك بطريقةٍ ما، أو يذَكِّرك بما نسيته»، يحيى اللبابيدي، شاعر وكاتب مصري أمريكي.
يحذر مساعد وزير الخارجية لشؤون الاستخبارات الأمريكي بريت هولمغرين في تصريح لصحيفة الواشنطن بوست من تنامي الغضب الشعبي ضد بلاده بسبب دعمها للدولة المارقة على مدار العقود الماضية، وأن هذا الدعم أدى إلى زيادة مشاعر الكراهية ضد بلاده.
فتحت مجازر غزة والإبادة الجماعية على يد الاحتلال جراحًا عميقة، وذكّرنا بالجرائم التي مارستها أمريكا في العالمين العربي والإسلامي، وكما قال القذافي -رحمه الله- من على منصة الأمم المتحدة: «هي كوضع الملح على الجرح». فحرب غزة هي استمرارٌ للإبادة الجماعية التي بدأتها الولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي منذ عام 2001، عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ووفقًا لتقارير موثوقة، قد قتلت نحو 4.5 مليون مسلم في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا، ونحو 7.6 مليون طفل بسبب الجوع، وترك نحو 38 مليون شخص منازلهم بسبب حروبها.
ما يقوم الكيان الصهيوني به بحق أهلنا في فلسطين بدعم أمريكي غير محدود، هو استمرارٌ لما قامت به الولايات المتحدة من القتل والتجويع وتدمير البنية التحتية والحصار، وتُمثل ذروة سلسلة طويلة من الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها أمريكا منذ عام 2001.
وفي الحقيقة بدأت الإبادة منذ أن وطئت أقدام الرجل الأبيض العالم الجديد، فأبادوا السكان الأصليين للدول التي احتلوها، ثم توجهوا إلى دول العالم القديم فعاثوا فسادًا في إفريقيا وآسيا، وتحاربوا مع بعضهم بعضًا في حربين عالميتين طاحنتين، انتصر فيها النازيون على النازيين، بفرق وحيد أن هتلر كان واضحًا في عنصريته وخططه التوسعية، بينما النازيون المنتصرون اختبؤوا خلف شعارات الحرية والديمقراطية والكرامة والأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وإعلام يقلب الباطل حقًّا، ويستخدمون الأقليات كواجهة لتبرير سياساتهم الاستعمارية، مثل ممثلة الولايات المتحدة أو رئيس أركانها من أصول إفريقية، أو نائبة الرئيس من الأصول الهندية، فهم -كما يُقال-: عبيد القصر.
في خريف العمر، يصحو ضمير البعض على وقع الفزع من هول ما يحدث، كما حدث مع رئيس هيئة الأركان السابق مارك ميلي عندما عبّر عن رعبه من مجازر غزة، مستحضرًا أرواح الأبرياء الذين قُتلوا بالعراق على يد القوات الأمريكية؛ فيقول: قبل أن نعترف جميعًا بما تفعله «إسرائيل» أشعر بالفزع تجاه أبرياء غزة الذين يموتون، ينبغي علينا ألا ننسى أننا في الولايات المتحدة قتلنا الكثير من الأبرياء في الموصل بالعراق!.
في بعض ثقافات العالم يؤدي انتهاك المقدسات إلى انهيار تلك المدن، وقد يكون هذا الذي حدث في 2001 عندما دنست الطائرات إله الإمبراطورية البيضاء وهو المال، وتمثل ذلك في برجي التجارة العالمية، ومنذ ذلك التاريخ، ومع كل الدماء البريئة التي سالت، إلا أن التاريخ قد بدأ يكتب نفسه على عكس المعتقد الشائع الذي يقول إن التاريخ يكتبه المنتصرون، فهو يكتب ويكتب بسرعة كبيرة أن الإمبراطورية تتراجع.
عند نقطةٍ ما سينفجر التاريخ منبئًا بنهاية الإمبراطورية، قد تكون هذه النقطة المضيئة في تاريخ روما الحديثة هي دماء الغزيين الزكية ورجال المقاومة الأبطال، الذين سطروا أجمل معاني التصدي والبطولة.
يقول المؤرخ اليهودي الشهير بابيه: بعد مرور 120 عامًا على بداية المشروع الصهيوني في فلسطين، يواجه احتمال الانهيار، وقد يكون هذا الانهيار متزامنًا مع انهيار الولايات المتحدة، فكما ظهر جليًّا في طوفان الأقصى، يعد الكيان الصهيوني بمثابة القاعدة العسكرية المتقدمة للولايات المتحدة في المنطقة، لتحقيق أهدافها!