لعبة جي تي إيه.. عندما يتحول الطموح إلى خطر

في 2013، طرحت شركة "روكستار" (Rockstar) الجزء الخامس من سلسلة الألعاب الأكثر شعبية في العام والأهم لدى الشركة، وهي جراند ثيفت أوتو أو كما تعرف اختصارا بين محبيها جي تي إيه "GTA"، وتحديدا في سبتمبر/أيلول 2013، وذلك بالتزامن مع طرح الجيل الثامن من منصات الألعاب المنزلية (بلاي ستيشن 4 وإكس بوكس وان).

 

تحولت اللعبة فورا إلى إحدى أنجح الألعاب في التاريخ، وذلك بفضل القصة المبتكرة ومستوى الرسوميات وأسلوب اللعب المبهر الذي كان يستغل كل قدرات الجيل الجديد وقتها من منصات الألعاب، وكانت أجهزة الحاسوب الشخصي تواجه تحديات عديدة من أجل تشغيل اللعبة بكفاءة، وبدأ الجميع يتحدث عنها.

 

تمكنت "جي تي إيه 5" الجزء الخامس "GTA V" من تحقيق حالة نجاح أيقونية أصبح يشار إليها بالبنان عند الحديث عن إمكانيات الألعاب في التحقيق النجاح والانتشار بشكل واسع، وبعد 11 عاما من طرحها، تستمر اللعبة في النجاح وتحقيق المبيعات، رغم أننا نقف على أعتاب النسخة القادمة من اللعبة، والتي تحمل الرقم ستة "VI".

 

ومع ارتفاع حالة الترقب لإصدار الجزء الجديد الذي يفترض أن يصدر في عام 2025، ترتفع معه توقعات المستخدمين لما قد تقدمه الشركة في تحفتها القادمة، خاصة أن منصات الألعاب الحالية (بلاي ستيشن 5 وإكس بوكس سيرس إكس) يمتلكان قوة أوسع من الأجيال السابقة إلى جانب قوة الحواسيب التي تضاعفت في السنوات الأخيرة، وهذا يدفعنا للتساؤل، هل تنجح "جي تي إيه 6" (GTA VI) في الارتقاء لهذه التوقعات وتلبية شغف محبيها؟ أم ترتفع التوقعات إلى سقف لا يمكن تحقيقه لتفشل اللعبة بشكل كامل؟

 

إرث يصعب الارتقاء إليه وضعت "جي تي إيه في" سقفا مرتفعا لما يجب أن تقدمه اللعبة الناجحة، وأصبحت هي المعيار الذهبي للألعاب الناجحة جماهيريا وتجاريا، إذ استطاعت بيع 11 مليون نسخة في يومها الأول محققة بذلك مبيعات تجاوز 800 مليون دولار لتحطم بذلك الأرقام القياسية لصناعة الألعاب، واليوم، تقف اللعبة على منصة أعلى الألعاب مبيعا في التاريخ مع 195 مليون نسخة مبيعة بحسب موقع "ستاتيستكا" ومبيعات تصل إلى 7.7 مليارات دولار، وذلك رغم أن كلفة تطويرها لم تتجاوز 300 مليون دولار.

 

النجاح الباهر الذي حققته "جي تي إيه في" يجعل من الصعب على أي لعبة اللحاق بها، حتى وإن كانت الجزء السادس من السلسلة ذاتها، إذ تضافرت عدة عوامل معا لتحقق لهذه النسخة تحديدا نجاحا لم يكن معتادا في سلسلة "جي تي إيه" بشكل عام، رغم أنها من أنجح سلاسل الألعاب في العالم، كما أن هذا النجاح يضع لعبة "جي تي إيه" ومطوريها تحت ضغط مهول من أجل محاولة الارتقاء إلى هذا النجاح التجاري والمالي للعبتهم.

 

ولا يقتصر إرث "جي تي إيه" على النجاح التجاري فقط، بل يمتد إلى النجاح الجماهيري والنقدي الواسع، إذ حازت اللعبة على متوسط تقييمات 97% وفق موقع "ميتاكريتك" "Metacritic"، وهذا يجعلها من أفضل الألعاب تقييما في التاريخ، كما يعزز من تفوق اللعبة نقديا، ويضيف عتبة أخرى يجب على "جي تي إيه VI" أن تقطعها من أجل تحقيق نجاح مماثل لسابقتها.

 

دعاية تزيد من التوقعات والترقب ساهمت الحملة الدعائية التي أطلقتها "روكستار" للعبتها القادمة في إشعال فتيل الترقب وجعل محبي اللعبة ينتظرونها بفارغ الصبر، ورغم أن الشركة لا تخطط لطرح اللعبة حتى عام 2025، فإنها أصدرت العرض الدعائي الأول لها في ديسمبر/كانون الثاني الماضي، وحتى اليوم شاهده أكثر من 186 مليون مستخدم، وذلك رغم أن العرض لم يقدم معلومات كافية حول اللعبة أو عالمها ولم يكشف تفاصيلها بشكل كاف.

 

مما ساهم في زيادة الترقب أيضا كون اللعبة في التطوير لمدة تزيد على 10 أعوام تقريبا، إذ كان من المخطط لها أن تصدر مع الجيل الحالي من المنصات، إلا أن استمرار نجاح "جي تي إيه V" جعل الشركة تقرر تأجيلها لفترة، وهو الأمر الذي جعل اللاعبين يبنون الكثير من النظريات حول عالم اللعبة وحجم الخريطة وأسلوب اللعب.

 

وساهمت منصات الأخبار العالمية في تغذية شعلة التوقعات الخاصة باللعبة عبر العديد من التسريبات، ومن ضمنها التسريبات التي حدثت نتيجة اختراق خوادم الشركة ووصول أحد المخترقين إلى نسخة قابلة للعب من "جي تي إيه VI" وكشفه عن حجم الخريطة والمدينة التي تقع فيها اللعبة، إلى جانب أسلوب اللعب.

 

كما أضافت التسريبات عن كلفة إنتاج اللعبة وقودا إضافيا إلى كل هذا الترقب، إذ تشير التقارير أنها تصل إلى ملياري دولار، أي 8 أضعاف ما تكلفه إنتاج "جي تي إيه 5" و10 أضعاف تكلفة "جي تي إيه 4 ، بالطبع هذه التكلفة تشير إلى جهد ضخم في تطوير اللعبة ومحاولة إنتاج أيقونة جديدة قد تتغلب على سابقتها.

 

أنباء غير مبشرة لا تعد جميع المعلومات المتاحة عن لعبة "جي تي إيه 6" مبشرة بالخير، وذلك بفضل حجم اللعبة الكبير وعمل العديد من الأقسام والمطورين عليها، وربما كان خبر تأجيل طرح اللعبة، بسبب الضغط على المطورين واحتياجهم للعمل لساعات طويلة خارج أوقات العمل الرسمية هو أكثر الأخبار إثارة للقلق.

 

وفي عالم الألعاب عادة تشير الأخبار عن ظروف عمل سيئة للمطورين واحتياجهم العمل لأوقات إضافية إلى وضع تطوير سيئ للعبة، وإما استعجال المطور من أجل طرح اللعبة قبل انتهائها ومحاولة إصلاحها عبر التحديثات المتتالية، أو تأجيل اللعبة لفترة ما، لذلك يجب ألا ترتفع التوقعات والطموحات إلى حد جنوني.

 

وربما تعد لعبة "سيبربنك 2077" (Cyberpunk 2077) المثال الأوضح على ارتفاع الترقب والطموحات في عالم اللعبة وصدورها بشكل عكس المتوقع، ورغم اختلاف حجم الشركات المطورة لكلتا اللعبتين، فإنهما يتشابهان بشكل كبير في حالة الترقب والتوقع، إذ تم الإعلان للمرة الأولى عن "سيبربنك 2077" في عام 2013 لتصدر بعد ذلك في عام 2020، ولكن هذا التأخير لم يكن في صالح الأستوديو الذي أصدر اللعبة في حالة يرثى لها جعلت العديد من اللاعبين يتركونها بشكل سريع ويهاجمونها حتى تصبح مثالا للألعاب السيئة وقت الإصدار، ورغم أن الشركة تمكنت من إصلاح العديد من الأخطاء عبر التحديثات في الأعوام التالية، فإن اللعبة لم تصبح قابلة للعب بشكل جيد إلا في عام 2023 مع إضافة "فانتوم ليبرتي" (Phantom liberty).

 

لا يعني هذا أن "جي تي إيه 6" قد تكرر ما حدث مع "سيبربنك 2077 ، وذلك بفضل الاختلاف في حجم كلتا الشركتين، ولكن من المهم الحفاظ على التوقعات وسط حدود المنطق، حتى لا يفاجئ اللاعبين بلعبة تختلف تماما عن توقعاتهم ولا ترتقي لها.

 

لا حاجة للغموض في العادة، يعتمد المطورون على الغموض عند إعلان ألعابهم من أجل جذب اللاعبين إليها، ولكن لعبة مثل "جي تي إيه 6" لا تحتاج لمثل هذا الغموض، كونها تمتع بمستوى مرتفع من الترقب والانتظار.

 

لذلك لا يجب على الشركة الحفاظ على هالة الغموض حول اللعبة، إذ قد تضر هذه الهالة بمستقبل اللعبة عبر رفع توقعات اللاعبين إلى حد الجنون، ولكن الكشف عن المزيد من تفاصيل اللعبة مثل أسلوب اللعب وحجم الخريطة والإمكانات المتاحة فيها قد يعيد هذه التوقعات إلى أرض الواقع، ويساهم في تعزيز الترقب الإيجابي للعبة.