المهرجانات والاحتفالات .. والمفاهيم المتداولة

بقلم فيصل تايه 

 في عموم الجغرافيا الاردنية نحاول ان نصل الى عملية تحفيزية تهدف على إكساب مجتمعنا الاردني الواحد هوية وطنية وثقافية وحضارية مضافة ، وصولاً إلى تفكير إنساني جمعي ، ذلك من خلال ما نمتلك من ثقافه وفنون ، اذ يشكل النشاط الثقافي والفني ركيزة أساسية للوصول إلى ذلك، فالاحتفالات والفعاليات الوطنية والفنية لا تعني تظاهرات شكلية فارغة المضمون ، بل هي دعوة لجميع فئات وشرائح المجتمع الاردني ان يكون احتفائهم بهذه المناسبات وفق ضوابط واخلاقيات المجتمع الاردني ، بالمشاركة بالفعاليات المعلن عنها دون بهرجة، وان تكون المشاركة بهدف تعظيم الانجازات والحفاظ على المقدرات .

اننا نعي ان الاحداث الإقليمية والدولية والتحديات الوطنية ما زالت تطغى على المشهد العام ، فبعيدا عن الساسة والسياسة فان الاحتفالات والمهرجانات والفعاليات الوطنية والفنية تعني مسارا ونسقا ثقافيا يعيد ترتيب المزاج العام والطبيعي ، بعيداً عن البهرجات الصاخبة ، وحافزا لاحياء وجودنا الطليعي والبناء لثقافة وطنية مشتركة تعبر عن هويتنا لمواجهة اعداء الامة وكل من يتربص بها وخاصة الذي غايته ومقاصده تفكيك البنى الثقافية وسلخنا عن رموزنا الفكرية والثقافية والوطنية حتى يسهل عليه فرض الهيمنة والخضوع عليها ، بل ان ذلك من اقوى الأسلحة في مواجهة التطبيع اليوم في عموم الوطن العربي .

اليوم علينا أن ندرك ان الاردن يمر بحالة من الانفتاح السياسي الذي تظافرت في تعزيز وجوده عدة متغيرات دولية ووطنية ، فقد دخلت من خلالها عدة مفاهيم جديدة في القاموس السياسي الاردني ، كما وصلنا اليوم إلى مرحلة لا بد لنا من الوقوف أمامها بقدر واعٍ من المسؤولية الأخلاقية والمعرفية، فالصراع مع الاعداء لم يعد صراعا عاديا ، بل يستخدم سيل المفاهيم والمعلومات للوصول إلى أهدافه ، وقد تكون أهدافه هدم المفاهيم وتغيير المصطلحات وتفكيك النظم المعرفية حتى نصل إلى حالة التيه، ولذلك فالانتصار في مثل معارك اليوم يبدأ من خلال ضبط المفاهيم والابتعاد عن كيل الاتهامات وتحديد أبعادها النفسية والأخلاقية والمعرفية فهي محك القيمة الفردية والمجتمعية، ومحك الوطنية الحقة من غيرها

 اننا اليوم ونحن نعيش التفاصيل المأساوية لما يواجهه اهلنا في فلسطين والقطاع ، فأن السلاح التقليدي لم يعد كافيا وحده في إدارة المواجهه ، فالثقافة والفنون يمكن لها ان تدير مشروعا عربيا وطنيا داعما ، وبصبغة وطنية تظهر قيم التضامن مع الاهل غربي النهر عبر الأغنية والقصيدة والمسرحية والفلم الجاد والمعرض التشكيلي عن جراح غزة ، فاية فعاليات او مهرجانات ملتزمة في المحتوى والأداء يحب ان تستمر لتعزز الصمود  ، كما  والصراع والانتصار اليوم يعتمد على قدرتنا في توظيف الانفجار المعرفي بما يخدم مصالح الامة ، ولذلك فبناء الفرد وتفجير قدراته وطاقاته من أهم الاستثمارات في زماننا هذا ، وذلك من خلال تحديد مفهوم الوطنية والمواطنة وفق قيم وأسس التطورات الحضارية الحديثة وبما يكفل مواطنا واعيا مستقرا نفسيا واجتماعيا من خلال توفر حاجاته البيولوجية الأساسية، ومن خلال شعوره بالعدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وهي عوامل تعزز من الانتماء وتشد من العزائم لتفجير الطاقات بصورة إيجابية وليس سلبية .

دعوني اقول: إن المعركة الثقافية التي تقوم عبر المهرجانات الداعمة لا تقل شأنا عن المعركة بمفهومها العسكري ولا بد لنا من خوض غمارها بقدرة كبيرة حتى نحقق الانتصار الذي نرغب ، فخمولنا وسكوتنا وانصاتنا لاخبار الأحداث الجارية يجعلنا ندور في دوائر مفرغة لا قيمة لها في الواقع ولا أثر لها في المستقبل، فدوائر التطور متعددة وتشمل إلى جانب الدين العقل والفن ولا بد من التوازن بين الدوائر حتى لا تطغى دائرة على أخرى فيكون الصراع تعبيرا عن النقص لا استقرارا من توازن الكمال بينهم.

بقي ان اقول : ان ثقافتنا رسالة متجددة وليس قالبا جامدا، هدفها أحداث تحول وتبدل يمكن له ان يذهل العالم ، وعلينا أن نقف عند هذه الفكرة حتى نعيد ترتيب نسقها بما يتوافق مع القيم الوطنية الحقة ، فنحن في سياق مفهوم ثقافي يستمد طاقته من وطنيتنا العروبية الاصيلة ولا بد لنا من فهمه والتفاعل مع المعرفة في مستوياتها المتعددة الحديثة حتى نترك أثرا في الحضارة المعاصرة .
والله ولي التوفيق 
مع تحياتي