بايدن «لا» يتلعثم في الملف «الأوكراني»... فقط في الملف «الفلسطيني»؟؟

 محمد خروب

وجدَ الرئيس الأميركي جوزيف بايدن–الذي يُكافح «عبثا» (كما ينبغي القول)-, من أجل مستقبله السياسي والشخصي, فرصة أخرى مُتجددة, لمواصلة شيطنة روسيا ودعم نظام الرئيس الأوكراني/ زيلينسكي, المُنتهية ولايته منذ 20 أيار الماضي, رغم المُعارضة المُتصاعدة من قِبل حلفائه في الاتحاد الأوروبي, كما في دول حلف شمال الأطلسي/الناتو, الذين يستضيفهم بايدن منذ أمس/ الثلاثاء في لقاء قمة, بمناسبة مرور(75) عاماً على تأسيس هذا الحلف العسكري العدواني, الذي قام في الأساس لمواجهة ما وُصفَ في حينه «الخطر السوفياتي»–إقرأ مُحاربة الشيوعية -, ثم واصل توسّعه في الفضاء السوفياتي السابق, رغم تفكّك الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الإشتراكية, وخصوصاً حلف وارسو الذي تأسّس بعد «6» سنوات من قيام الناتو, إلى أن أصبح يضم الآن «32» دولة, وما يزال أصحاب الرؤوس الحامية فيه, خصوصاً في البيت الأبيض وجنرالات البنتاغون, يسعون إلى ضم المزيد من الدول, ولكن هذه المرّة الدول الواقعة في منطقة المحيطيْن الهادئ والهندي (أي في مُواجهة الصين).

نقول: جدّد بايدن دعمه لنظام زيلينسكي, مندّدا أول أمس الاثنين، بما وصفه الضربات الجوية الروسية, التي خلّفت 36 قتيلاً على الأقلّ في أوكرانيا، مُتعهّداً اتّخاذ «إجراءات جديدة» لتعزيز الدفاعات الجوية لكييف. مُضيفاً أنّ (الضربات الصاروخية الروسية التي أدّت إلى مقتل عشرات المدنيين الأوكرانيين, وتسبّبت بأضرار وإصابات في أكبر مستشفى للأطفال في كييف هي تذكير مُروّع بـ"وحشية روسيا").

هنا والآن تتبدى بوضوح «سادِيّة» قادة المعسكر الغربي, وعنصريتهم وزيف الشعارات التي روّجوها في دول الجنوب على نحو مكثف, ساعدتهم في ذلك ما تسمى زوراً «منظمات المجتمع المدني", التي تزايدت على نحو سرطاني في نسيج المجتمعات العربية, والتي تلوذ الآن بالصمت المُريب والفاضح, ولا ينبس «فرسانها وفارساتها» ببنت شفة, حول حرب الإبادة الجماعية والتجويع والتعطيش والتدمير الصهيوأميركية, المدعومة من قادة دول الشمال «الأبيض", الذين خلعوا على أنفسهم تزويراً صفة «العالم الحُرّ».

سارع بايدن (كما الرئيس الفرنسي ماكرون, المرتبك والمحبط بعد إنتهاء جولّتيّ انتخابات الجمعية الوطنية/ البرلمان, وفشل تحالفه الإنتخابي الذي خاض الانتخابات تحت شعار «معاً", في الحصول على أغلبية أو مرتبة مقبولة (حلّ ثانياً بعد تحالف «الجبهة الشعبية الجديدة/ اليساري).سارع بايدن إلى وصف الضربة التي نُسِبت إلى روسيا بأنها «وحشية", فيما لم يتردّد ماكرون بنعتها بـ"الهمجية", ولم ينس بايدن ذرف دموع التماسيح على «مقتل عشرات المدنيين الأوكرانيين وأضرار وإصابات في أكبر مستشفى للأطفال في كييف), زعمَ أن الضربة الروسية تسببت بها. (من غير المؤكد أن موسكو تقف وراءها, ليس فقط أن الأخيرة نفت قيامها أول أمس/الإثنين بضرب أهداف مدنية, بل ما أكّده المُدون الأميركي الشهير/ جاكسون هينكل, بأن القصف الذي طال المستشفى في العاصمة الأوكرانية, تم بصاروخ «أميركي» للدفاع الجوي، مُشيراً إلى مقطع فيديو قام بتصويره سكان مَحليون في كييف.

ما علينا

لم يُطلِق بايدن كما بلينكن وجيك سوليفان والجنرال كيربي/متحدث مجلس الأمن القومي الأميركي وخصوصاً وزير الدفاع/اوستن, اي تصريحات أو إدانات أو مُجرد إحتجاج طوال تسعة أشهر من الحرب الإجرامية الصهيوأميركية المُتمادية فصولاً دموية ووحشية, على سقوط أزيد من أربعين شهيداً (باستثاء عشرات الآلاف من الذين ما زالت جثامينهم تحت الأنقاض), وما تجاوز «150» ألف مصاب, بل أنكر بايدن وفريقه, كذلك ماكرون وشولتس الألماني وخصوصاً أُورسولا فان ديرلاين, والبريطاني المهزوم/ الهندوسي ريشي سوناك, أن تكون هنك «إبادة جماعية", أو جرائم حرب ومجازر يرتكبها جيش الفاشية الصهيونية, ورفضوا «جميعاً» الإعتراف بصلاحية المحكمة الجنائية الدولية (وقبلها محكمة العدل الدولية) في إصدار مذكرات إعتقال بحق مُجرِمَيّ الحرب نتنياهووغالانت.

أما سقوط «36» مدنياً في كييف أول أمس, وقبلها في نيسان/2022,سقوط «32» مدنياً في بلدة «بوتشا» الأوكرانية, فهو يستدعي كل هذا الغضب والتضامن والدعم المفتوح والسخيّ لنظام زيلنسكي (هذا لا يعني أبداً وبالمطلق أننا مع سقوط قطرة دم, لأي مدني مهما كانت جنسيته أو دينه أو عِرقه, يتساوى في ذلك الأوكراني كما الروسي). وقد «حظيت أوكرانيا برضى كريم خان الذي سطّر بعد شهر من ما سُمي مُبالغة «مذبحة بوتشا", مذكرة إعتقال بحق الرئيس الروسي/بوتين بـ"تهمة» نقل أطفال أوكران إلى الأراضي الروسية, أما فلسطين, شعبها ومخيماتها وقراها وبلداتها ومدنها المُستباحة, والتنكيل بمواطنيها والإعدامات الميدانية ومصادرة الأراضي وهدم البيوت والإستيطان والترويع, فهذا لا مكان له على جدول الأعمال الأميركي بل والغربي كافة.

في الخلاصة ليس ثمَّة حاجة لتكرار ما بات مكتوباً على جدار التحالف الصهيوأميركي/ الغربي, المُدجج بالعنصرية وتفوّق الرجل الأبيض, وأن الجدير بالحياة هم كروّاد للحضارة والإبتكارات والعلوم والذكاء الإصطناعي وغزو الفضاء, أما الآخرون فهم في مرتبة أدنى, ولا يعدو كونهم أيدي عاملة رخيصة وأسواق لمنتجات شركاتهم, وقواعد عسكرية لفيض عديد جيوشهم وأساطيلهم وأسراب طائراتهم, ومكب نفايات للأجيال القديمة من آلاتهم وسياراتهم ونفاياتهم النووية, أما صحاريهم فهي حقول تجارب نووية.

kharroub@jpf.com.jo