قراءة في تعديلات النظام الداخلي لمجلس الأعيان
أ. د. ليث كمال نصراوين
صدرت الإرادة الملكية السامية بالموافقة على النظام الداخلي المعدل لمجلس الأعيان لعام 2024 والذي دخل حيز النفاذ بعد نشره في الجريدة الرسمية، حيث هدفت هذه المراجعة لنصوص النظام الداخلي للمجلس المعين إلى تكريس التعديلات الدستورية لعام 2022، والتي اتسع نطاقها لتشمل تطوير آليات العمل البرلماني وتعزيز علاقة مجلس الأعيان بمجلس النواب.
وقد توسع مجلس الأعيان في مراجعته لنظامه الداخلي لتشمل موضوعات أخرى تتعلق بتجويد العملية التشريعية وتعزيز قيم النزاهة والحاكمية الرشيدة، حيث جرى إقرار مدونة سلوك لأعضاء مجلس الأعيان، والتي جرى اعتبارها جزءا لا يتجزأ من النظام الداخلي للمجلس المعين.
فعلى الرغم من الشروط الواجب توافرها في عضو مجلس الأعيان كما قررتها المادة (64) من الدستور والتي تتمثل بأن يكون من فئات كبار الموظفين الحكوميين والقضائيين والسياسيين والعسكريين والحائزين على ثقة الشعب والمعروفين بأعمالهم وخدماتهم للأمة والوطن، إلا أن المجلس قد أصر على أن يضرب مثالا في الحفاظ على النزاهة والحيادية في العمل العام، وتعزيز مفهوم الشفافية والمسؤولية في المؤسسة البرلمانية وذلك من خلال إيجاد مدونة سلوك لأعضائه تحكم تصرفاتهم وأعمالهم أثناء فترة عضويتهم في السلطة التشريعية.
وقد أناط النظام الداخلي المعدل لمجلس الأعيان مسؤولية الإشراف على تطبيق مدونة السلوك والتحقيق في أي تصرف يسيء إلى سمعة المجلس وهيبته وأعضائه سواء كان ذلك تحت القبة أو خارجها إلى لجنته القانونية. وبهذا يتوافق مجلسا الأعيان مع النواب في اسناد مهمة متابعة تصرفات أعضاء مجلس الأمة إلى اللجنة القانونية، وعدم التوسع في إنشاء لجان برلمانية خاصة لهذه الغاية.
كما تضمن النظام الداخلي المعدل إقرار مجموعة من النصوص الإجرائية ذات الصلة بالعملية التشريعية والتي تتشابه مع تلك الأحكام الواردة في النظام الداخلي لمجلس النواب. فأسوة بالمجلس المنتخب الذي يملك الحق في حال وجود أسباب اضطرارية تستدعي النظر في مشروع القانون بصفة الاستعجال أن يقر مشروع القانون أو يرفضه أو يحيله إلى اللجنة المختصة، أصبح بإمكان رئيس مجلس الأعيان وفي حالات الاستعجال أن يحيل مشروع القانون مباشرة إلى المجلس، الذي له الحق في رفض المشروع أو إقراره أو إحالته إلى اللجنة المختصة.
كما جرى تقييد صلاحية العين في مناقشة مشاريع القوانين في المجلس، بحيث أصبح يحظر عليه مخالفة قرار اللجنة البرلمانية التي ينتمي إليها أثناء اجتماعات المجلس وجلساته، ما لم يكن قد تحفظ أو خالف قرار اللجنة داخل اجتماعاتها، وجرى تدوين تلك المخالفة بصورة أصولية.
إن هذا الحكم المستحدث من شأنه تسهيل العملية التشريعية في مجلس الأعيان، بحيث أصبح العين ملزما بقرار اللجنة البرلمانية فيما يخص مشروع القانون الذي عُرض عليها، ولا يحق له مخالفة قرارها في اجتماعات المجلس ما لم يكن قد أبدى موقفا مغايرا لقرار اللجنة بشكل واضح وصريح.
ومن التعديلات الأخرى المتعلقة بالعملية التشريعية أنه قد جرى زيادة المدة الزمنية بين توزيع تقارير اللجان وما يرفق بها عادة من نصوص مشروعات القوانين وتعديلاتها والأسباب الموجبة لها واقتراحات اللجنة المختصة على أعضاء مجلس الأعيان ومناقشتها في المجلس من أربعة وعشرين ساعة إلى ثمان وأربعين ساعة، وهي المدة المحددة بخمسة أيام في النظام الداخلي لمجلس النواب ما لم يقرر المجلس النيابي إعطاء الموضوع صفة الاستعجال فيجري بحثه فورا.
ولغايات تسريع إجراءات العملية التشريعية، فقد تضمن النظام الداخلي المعدل لعام 2024 نصا جديدا يتعلق بعدم دعوة مجلس الأعيان للاجتماع في حال قبول مجلس النواب مشروع القانون كما ورد إليه من مجلس الأعيان، حيث أعطي الحق لرئيس مجلس الأعيان بأن يقوم بإرسال مشروع القانون الذي قبله مجلسا الأمة إلى رئيس الوزراء موقعا منه ومن الأمين العام، وذلك لغايات رفعه إلى جلالة الملك لتصديقه، على أن يقوم الرئيس باطلاع أعضاء المجلس على هذا الإجراء.
إن هذا الحكم المستحدث يتوافق مع أحكام الدستور، وبالأخص المادة (93) منه التي تشترط في كل مشروع قانون قبله مجلسا الأعيان والنواب أن يُرفع إلى جلالة الملك للتصديق عليه. فمشروع القانون الذي أقره مجلس الأعيان في المرة الأولى وعاد إلى مجلس النواب الذي وافق عليه كما جاء من المجلس المعين يكون قد استوفى شروط المادة الدستورية المذكورة من موافقة المجلسين عليه. بالتالي، لا حاجة لدعوة مجلس الأعيان واجتماعهم مرة ثانية لكي يقروا مشروع القانون المرسل إليهم مرة أخرى من مجلس النواب، حيث سبق لهم وأن أقروه بالنسخة ذاتها التي وافق عليها مجلس النواب.
ولمعالجة حالة الاختلاف بين مجلسي الأعيان والنواب على مشروع أي قانون، فقد تضمن النظام الداخلي المعدل لمجلس الأعيان حكما إجرائيا مستحدثا يهدف إلى تطبيق أحكام المادة (92/2) من الدستور، والتي تجيز تشكيل لجنة مشتركة من مجلسي الأعيان والنواب لبحث المواد المختلف فيها لمشروع أي قانون والتوافق على صيغة نهائية ورفع توصياتها إلى المجلسين قبل عقد الجلسة المشتركة.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com